موسوعة أصول الفقه

الفرعُ السَّادِسُ: نَسخُ السُّنَّةِ المُتَواتِرةِ بالآحادِ


لا يَجوزُ نَسخُ السُّنَّةِ المُتَواتِرةِ بالآحادِ شَرعًا، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ ، وجُمهورِ المالِكيَّةِ ، وأكثَرِ الشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ .
أمَّا مِن جِهةِ الجَوازِ العَقليِّ فهو جائِزٌ، وقد نَقَلَ الِاتِّفاقَ على ذلك الآمِديُّ ، والهِنديُّ .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: الإجماعُ
وتَقديرُه أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم كانت تَترُكُ خَبَرَ الواحِدِ إذا رَفعَ حُكمَ الكِتابِ والسُّنَّةِ المَعلومةِ؛ فقد جاءَ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (لا نَترُكُ كِتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقَولِ امرَأةٍ لا نَدري لَعَلَّها حَفِظَت أو نَسِيَت) .
فلم يَعمَلْ بخَبَرِ الواحِدِ، ولم يَحكُمْ به على القُرآنِ وما ثَبَتَ مِنَ السُّنَّةِ تَواتُرًا، وكان ذلك مُشتَهِرًا فيما بَينَ الصَّحابةِ، ولم يُنكِرْ عليه مُنكِرٌ؛ فكان ذلك إجماعًا .
ثانيًا: المَعنى
وهو ضَعفُ النَّاسِخِ وقوَّةُ المَنسوخِ؛ فإنَّ الآحادَ ضَعيفٌ، والمُتَواتِرَ أقوى مِنه، فلا يَقَعُ الأضعَفُ في مُقابَلةِ الأقوى؛ لأنَّ التَّواتُرَ يوجِبُ العِلمَ، فلا يَجوزُ نَسخُه بما يوجِبُ الظَّنَّ .
قال الجَصَّاصُ: (ما ثَبَتَ مِن طَريقٍ يوجِبُ العِلمَ فجائِزٌ نَسخُه بما يوجِبُ العِلمَ، فلا يَجوزُ نَسخُه بما لا يوجِبُ العِلمَ، وما ثَبَتَ مِن طَريقٍ لا يوجِبُ العِلمَ وإنَّما يوجِبُ العَمَلَ، فجائِزٌ نَسخُه بمِثلِه، وبما هو آكَدُ مِنه مِمَّا يوجِبُ العِلمَ) .
وقيلَ: يَجوزُ نَسخُ السُّنَّةِ المُتَواتِرةِ بالآحادِ. وهو قَولُ بَعضِ المالِكيَّةِ، كالباجيِّ ، وصَحَّحه ابنُ حَزمٍ .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (2/324).
  2. (2) يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (4/504).
  3. (3) يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص: 59)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/450)، ((الوصول)) لابن برهان (2/49)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (6/2327).
  4. (4) يُنظر: ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 206).
  5. (5) قال: (وأمَّا نَسخُ المُتَواتِرِ مِنها بالآحادِ فقدِ اتَّفقوا على جَوازِه عَقلًا، واختَلَفوا في وُقوعِه سَمعًا). ((الإحكام)) (3/146).
  6. (6) قال: (وأمَّا نَسخُ المُتَواتِرِ مِنها الآحادَ فاتَّفقوا على جَوازِه عَقلًا، واختَلَفوا في جَوازِه شَرعًا ووُقوعِهـ). ((نهاية الوصول)) (6/2327).
  7. (7) أخرجه مسلم (1480).
  8. (8) يُنظر: ((الوصول إلى الأصول)) لابن برهان (2/49)، ((الإحكام)) للآمدي (3/147)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (6/2328).
  9. (9) يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص: 59)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/450)، ((الإحكام)) للآمدي (3/147).
  10. (10) ((الفصول)) (2/324).
  11. (11) يُنظر: ((الإشارة)) (270).
  12. (12) يُنظر: ((الإحكام)) (4/107).