موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: النَّسخُ اصطِلاحًا


النَّسخُ في الِاصطِلاحِ: هو رَفعُ الحُكمِ الثَّابِتِ بخِطابٍ مُتَقدِّمٍ بخِطابٍ مُتَراخٍ عنه .
وقيلَ هو: الخِطابُ الدَّالُّ على ارتِفاعِ الحُكمِ الثَّابِتِ بالخِطابِ المُتَقدِّمِ على وَجهٍ لَولاه لَكان ثابِتًا مَعَ تَراخيه عنه .
وقيلَ هو: إزالةُ مِثلِ الحُكمِ الثَّابِتِ بقَولٍ مَنقولٍ عنِ اللهِ تعالى أو عن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو فِعلٍ مَنقولٍ عن رَسولِه مَعَ تَراخيه عنه على وجهٍ لَولاه لَكان ثابِتًا .
وقيلَ هو: اللَّفظُ الدَّالُّ على ظُهورِ انتِفاءِ شَرطِ دَوامِ الحُكمِ الأوَّلِ .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبَيانُ مُحتَرَزاتِه:
- "رَفعُ الحُكمِ": أي: إزالةُ الحُكمِ على وجهٍ لَولاه لَبَقيَ ثابِتًا، على مِثالِ رَفعِ حُكمِ الإجارةِ بالفَسخِ؛ فإنَّ ذلك يُفارِقُ زَوالَ حُكمِها بانقِضاءِ مُدَّتِها، وفيها احتِرازٌ عَمَّا لم يُرفَعْ أصلًا، كالأحكامِ التي لم يَدخُلْها نَسخٌ.
- "بخِطابٍ مُتَقدِّمٍ": هذه العِبارةُ مُتَعَلِّقةٌ بالثَّابِتِ، يَعني: أنَّه ثابِتٌ بخِطابٍ شَرعيٍّ مُتَقدِّمٌ، لا بالبَراءةِ الأصليَّةِ، وفيها احتِرازٌ عَمَّا كان ثابِتًا بالبَراءةِ الأصليَّةِ، كعَدَمِ حُرمةِ الرِّبا، وعَدَمِ وُجوبِ الصِّيامِ والصَّلاةِ؛ فإنَّ رَفعَه ليس بنَسخٍ؛ لأنَّه كان ثابِتًا بالبَراءةِ الأصليَّةِ لا بخِطابٍ شَرعيٍّ.
- "بخِطابٍ مُتَراخٍ عنه": هذه العِبارةُ مُتَعَلِّقةٌ برَفعِ الحُكمِ، أي: أنَّه مَرفوعٌ بخِطابٍ مُتَراخٍ عنه لا مُتَّصِلٍ به، فالنَّسخُ: أن يُرفعَ بخِطابٍ مُتَراخٍ حُكمٌ ثابِتٌ بخِطابٍ مُتَقدِّمٍ.
- "بخِطابٍ": الثَّانيةُ احتِرازٌ عن زَوالِ الحُكمِ بالجُنونِ ونَحوِه، فلَيسَ بنَسخٍ؛ لأنَّه لم يُرفَعْ بخِطابٍ ثانٍ، فإنَّ مَن ماتَ أو جُنَّ انقَطَعَت عنه أحكامُ التَّكليفِ، وليس ذلك بنَسخٍ؛ لأنَّ انقِطاعَ الأحكامِ عنهما لم يَكُنْ بخِطابٍ، وكذلك ارتِفاعُ حُكمِ الصَّومِ بمَجيءِ اللَّيلِ، وحُكمِ الفِطرِ بمَجيءِ النَّهارِ، ليس نَسخًا؛ لأنَّه لم يَكُنْ بالخِطابِ، بَل بانتِهاءِ غايةِ الحُكمِ، وانقِضاءِ وَقتِه.
- "مُتَراخٍ عنه": احتِرازٌ عنِ المُتَّصِلِ بالخِطابِ الأوَّلِ؛ فإنَّه تَخصيصٌ له وبَيانٌ، لا نَسخٌ له، كَقَولِ اللهِ تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97] ؛ فإنَّ بَدَلَ البَعضِ مِنَ الكُلِّ فيه رَفعُ حُكمِ وُجوبِ الحَجِّ عن غَيرِ المُستَطيعِ، ولَكِنَّه مُتَّصِلٌ به، فلَيسَ نَسخًا؛ لأنَّه لم يَتَراخَ عنه، وكَقَولِ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور: 33] فرَفعُ حُكمِ الأمرِ بالكِتابةِ في حَقِّ مَن لم يَعلَمْ فيه خَيرًا، المَفهومِ مِنَ الشَّرطِ، ليس نَسخًا؛ لأنَّه مُتَّصِلٌ به .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/219)، ((قواعد الأصول)) للقطيعي (ص: 131)، ((شرح مختصر أصول الفقهـ)) للجراعي (3/128)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (2/ 530).
  2. (2) يُنظر: ((الفقيه والمتفقهـ)) للخطيب البغدادي (1/244)، ((اللمع)) للشيرازي (ص: 55)، ((المستصفى)) للغزالي (ص: 86).
  3. (3) يُنظر: ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري (1/367)، ((الإحكام)) للآمدي (3/104).
  4. (4) يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (2/249).
  5. (5) يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/251)، ((شرح مختصر أصول الفقهـ)) للجراعي (3/130)، ((مذكرة أصول الفقهـ)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 98).