هو السُّلطانُ أبو يعقوب يوسُفُ بن يعقوب بن عبد الحَقِّ بن محيو بن أبي بكر بن حمامة ملك المغرب. وثب عليه سعادةُ الخَصِيُّ أحدُ مواليه في بعضِ حُجَرِه، وقد خَضَّب رجلَيه بالحنَّاء وهو مُستلقٍ على قَفاه، فطعنه طعناتٍ قطَعَ بها أمعاءه، وخرج فأُدرِكَ وقُتِلَ، فمات السلطانُ آخِرَ يوم الأربعاء سابع ذي القعدة، وأقيم بعده حفيدُه أبو ثابت عامر ابن الأمير أبي عامر بن السلطان أبي يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق، وكانت مُدَّةُ حُكمِه إحدى وعشرين سنةً.
كان أبو سالم إبراهيمُ المريني منفيًّا في الأندلس، ثم عاد وتمَلَّك بعد أن خَلَع ابن أخيه محمد السعيد الذي جلس بعد اغتيالِ أبيه، ثمَّ في هذه السنة قام الوزيرُ عمر بن عبد الله الفودودي بخلع السلطانِ أبي سالم إبراهيم وقَتَله وولِيَ السلطنة تاشفين بن أبي الحسن علي أخي السلطان المخلوع، وكان تاشفين موسوسًا مختل العقل، ولم يرضَ بنو مرين عما فعله الوزيرُ فخلعوا تاشفين وأتوا بابنِ أخٍ له يدعى محمد الثاني بن أبي الحسن علي المريني فبايعوه وولوه المُلك ولَقَّبوه المنتصر.
صاحب مملكة فاس من بلاد الغرب السلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم بن إبراهيم بن أبي الحسن على بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني ملك الغرب، تولى حكم بلاد المغرب بعد خلع السعيد محمد بن عبد العزيز أبي الحسن في ذي الحجة 774. توفي أبو العباس أحمد في المحرَّم، وأقيم بعده ابنه أبو فارس عبد العزيز، وهو غير متملِّك تونس المتوكل على الله أبو العباس أحمد الحفصي صاحب تونس مع أنَّ اسمهما يكاد يتطابق.
توجَّه السلطان محمد جلبي بن بايزيد بن مراد صاحب بورصا؛ لقتال اسفنديار ابن أبي يزيد متملك قسطمونية وحصره في جزيرة سينوب، فقامت معركة على بحر إيجه قرب مدينة غاليبولي كان نهايتها أن وقع بينهما الاتفاق على أن يخطب له ويضرب السكة باسمه، فأفرج عنه وعاد اسفنديار إلى قسطمونية، وخُطِب باسم السلطان محمد الأول فلم يوافِقْه وزيره خواند سلار على إقامة الخطبة بالجامع الذي أنشأه للسلطان محمد جلبي، وصار يخطب فيه باسم ملك اسفنديار، وخطب اسفنديار في بقية جوامع قسطمونية باسم محمد.
طلب السلطان القضاة والأمراءَ فعهد إلى ولده الأمير أحمد بالسلطة من بعده، ومولده في ثاني جمادى الأولى من السنة الماضية، وله من العمر سبعة عشر شهرًا وخمسة أيام، وجعل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي القائِمَ بأمره، وأن يقومَ بتدبير الدولة, ثم أحضر القرمشي من حلب الأمراء الثلاثة، وهم: قجقار القردمي، وتنبك ميق، وططر، وحلفوا على ذلك، ثم حلف المماليك من الغد، ثم في ذي الحجة أثبت عهد الأمير أحمد ابن السلطان المؤيد، على قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني الحنفي، بالسلطنة، ثم نفذ على بقية القضاة.
هو الخليفة العباسي المعتضد بالله داود بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد، في يوم الأحد رابع ربيع الأول كانت وفاته بعد مرض تمادى به أيامًا، وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلاة المؤمني، ودُفن بالمشهد النفيسي، وكانت خلافته تسعة وعشرين سنة وأيامًا، ثم في يوم الخميس ثامن ربيع الأول كانت مبايعة الخليفة أمير المؤمنين سليمان ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بالخلافة، بعد وفاة أخيه المعتضد داود، بعهدٍ منه إليه، ولُقِّب بالمستكفي بالله أبي الربيع سليمان.
هو محدِّث حلب شيخ الإسلام عمر بن عبد الوهاب العرضي، أوحدُ وقته في فنون الحديث والفقه والأدب، أخذ عن محمود البيلوني، ورضي الدين الحنبلي، وبه تخرج، ومن أفخر أسانيدِه روايتُه عن والده عبد الوهاب عن زكرياء عن ابن حجر، ومن أعظم مؤلفاته "شرح الشفاء" في أربعة أسفار ضخامٍ، سماه "فتح الغفار بما أكرم الله به نبيه المختار" اشتغل به نحو اثنتي عشرة سنة، وله "مناهج الوفا فيما تضمنه من الفوائد اسم المصطفى"، وله معجم كبير، وشرحٌ على ألفية السيوطي في الاصطلاح. كانت وفاته بحلب 16 شعبان.
اتجهت الدولة العثمانية إلى قتال الشيعة الصفوية، فتغلبت على طهماسب الذي طلب الصلح في هذا العام, وتخلى العثمانيون عن تبريز، وهمدان، ولورستان، غير أنَّ والي الشاه على خراسان وهو نادر شاه لم يقبل بهذه المعاهدة. فسار إلى أصفهان، وعزل الشاه طهماسب، وولى مكانه ابنه عباسًا، وعيَّنَ عليه مجلس وصاية، ثم سار نادر شاه لحرب العثمانيين فانتصر عليهم، وحاصر بغداد، فطلبت الدولة العثمانية الصلحَ، وجرى الاتفاق عام 1149هـ/1736م في مدينة تفليس، حيث أعلن نادر شاه نفسه ملكًا على الفرس، واتفقوا على أن يرد العثمانيون كل ما أخذوه إلى الشيعة الإيرانية.
بعد أن استطاع نادر شاه السُّني اعتلاء عرش إيران بعد أن أنهى حُكمَ الصفويين فيها، أراد أول شيء أن يُخضِع الأفغان؛ لعلمه أنَّهم ربما يثورون عليه كما ثاروا على الصفويين قبله، بل هو الذي استطاع أن يستردَّ إيران من أيديهم، فاستعان بقطاع الطرق البختياريين الذين استطاع أن يلاحِقَهم حتى ألحقهم بجيشِه، واستطاع أن يفتحَ قندهار الحصينة، وكابل وغزنة, وكان رضا قلي ميرزا ابن نادر شاه على رأس جيشٍ أخذ يتقدَّم نحو بلاد التتار (المغول) ويستولي على مواقِعِهم، بينما كان والده نادر شاه محاصِرًا لقندهار, فنهاه والده عن الاستمرار حتى يكسِبَ وُدَّهم, وليتفرغ هو لإخضاع بقية البلاد التي في مملكته.
عندما أنشأت بريطانيا عرشينِ ملكيَّينِ للهاشميين خصومِ الملك عبد العزيز، في العراق وشرق الأردن عام 1921م، غَضِبَ الملك من سياسة بريطانيا تجاهَه بعد أن أحاطوه بالأعداءِ، وأقاموا دويلاتٍ من حولِه ونَصَبوا من أعدائِه ملوكًا وقدَّموا لهم المساعداتِ المالية والسياسية، فدعا إلى عقد مؤتمر في الرياض حضره القادةُ العسكريون والشيوخُ والعلماء من نجدٍ وما حولها، وأُعلِنَ في هذا المؤتمر عن مبايعة الملك عبد العزيز ومَنحِه لقبَ سلطان نجد وملحقاتها، ثم أعلنت الحكومةُ البريطانية اعترافَها الرسميَّ بلقب ابن سعود الجديدِ سُلطانًا على نجد وملحقاتها هو وخلفائه من بعده.
وُلِدَ عام 1902 بإمارةِ عَجمان، وتولَّى الحُكمَ في سنةِ 1928م، وهو الحاكمُ التاسعُ للإمارةِ، ويُعتبَر مؤسِّسَ إمارةِ عَجمانَ الحديثةِ، وقد قام بإنشاءِ شُرطة عَجمانَ عام 1967م، وشارَكَ في اجتماعاتِ تكوينِ الاتِّحاد، وقد وقَّع على الدُّستور المؤقَّت يوم 2 ديسمبر 1971م، وأصبحت عَجمانُ جُزءًا مِن دولة الإماراتِ العربية المتحِدة، وأصبَح عضوًا إلى المجلسِ الأعلى للاتِّحاد. تُوفِّي رحمه الله صباحَ يوم الأحد الموافِق 6 سبتمبر 1981م إثْرَ مَرضٍ عُضال، وخلَفَه في الحُكم ابنُه الشيخ حميد بن راشد النعيميُّ.
هو عبدُ العزيز محسن الحكيم، الزعيمُ الشيعيُّ، وعضوُ البرلمان العراقيِّ، ورئيسُ "المجلس الإسلامي الأعلى الشيعي"، وُلد الحكيمُ سنةَ (1953م) بمدينة النجف العراقيَّةِ، وهو ابن المَرجِع الشيعي محسن الطَّبطَبائي الحكيم، وشقيقُ المعارِض محمد باقر الحكيم، الذي اغتِيلَ بانفِجارِ سيارةٍ مفخَّخة عامَ (2003م). وكان عبدُ العزيز الحكيمُ أحدَ الأعضاءِ المؤسِّسين لـ"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" المعارِض لحُكمِ الرئيس العراقي صدَّام حُسين، وترأَّس جَناحَهم العسكريَّ (فيلق بدر) عامَ (1982م). وقد تُوفِّي في طهرانَ، بعد معاناةٍ مع مرضِ سرطانِ الرِّئةِ.
هو أميرُ المؤمنين، الناصِرُ لدينِ الله، أبو المطرِّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن، كان أبوه محمَّدٌ وَلِي عَهْد والده عبد الله بن محمد، فقَتَله أخوه أبو القاسِمِ المطرِّف، فقَتَله أبوهما به. ولَمَّا قُتِلَ محمد، كان لابنِه عبد الرحمن عشرونَ يومًا. ووليَ الخلافةَ بعد جَدِّه عبد الله. قال ابن حزم: "كانت خلافتُه من المُستطرَف؛ لأنَّه كان شابًّا، وبالحَضرةِ جماعةٌ مِن أعمامه، وأعمامِ أبيه، فلم يعتَرِضْ معترِضٌ عليه. واستمَرَّ له الأمر وكان شهمًا صارِمًا ". نظر أهلُ الحَلِّ والعقدِ مَن يقومُ بأمرِ الإسلام، فما وجدوا في شبابِ بني أميَّةَ مَن يَصلُحُ للأمرِ إلَّا عبدُالرحمن بن محمد، فبايعوه، وطلب منهم المالَ فلم يَجِدْه، وطلب العُدَدَ فلم يجِدْها، فلم يزَل السَّعدُ يخدُمُه إلى أن سار بنَفسِه لابن حفصون، فوجده مجتازًا لوادي التُّفاح، ومعه أكثَرُ من عشرين ألف فارس, فهزمه وأفلت ابنُ حفصون في نفرٍ يسيرٍ، فتحصَّنَ بحِصن مبشر. ولم يزل عبدُ الرحمن يغزو حتى أقام العَوَج، ومهَّدَ البلاد، ووضع العدلَ، وكثُرَ الأمنُ، ثم بعث جيشًا إلى المغرب، فغزا سجلماسة، وجميعَ بلاد القبلة، وقتَلَ ابنَ حفصون. ولم تزَلْ كلمته نافذةً, وصارت الأندلسُ أقوى ما كانت وأحسَنَها حالًا، وصَفا وجهُه للروم، وشَنَّ الغاراتِ على العدُوِّ، وغزا بنَفسِه بلادَ الروم اثنتي عشرة غزوةً، ودوخَّهم، ووضع عليهم الخَراجَ، ودانت له ملوكُها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجلٍ يصنعون في بناء الزهراءِ التي أقامها لسُكناه على فرسخ من قُرطُبة. كلُّ مَن تقدَّمَ مِن آباءِ عبد الرحمن لم يتسَمَّ أحَدٌ منهم بإمرةِ المؤمنين، وإنما كانوا يُخاطَبونَ بالإمارة فقط، وفعل مِثلَهم عبدُ الرحمن إلى السَّنَةِ السابعة والعشرين مِن ولايته، وكان قد تلقَّبَ بأمير المؤمنين لما رأى مِن ضَعفِ الخلافةِ في بغداد, وظهورِ الشِّيعةِ العُبَيدية بالقيروان وادِّعائِهم لقبَ الخلافة، وما آلت إليه البلادُ مِن التفرُّقِ والتشَتُّت، فرأى أنَّه أحَقُّ بإمرةِ المؤمنين فتسمَّى بأمير المؤمنين وخليفةِ المُسلِمين سنة 316، ولم يزَلْ منذ وليَ الأندلسَ يستنزِلُ المتغلِّبينَ حتى صارت المملكةُ كُلُّها في طاعته، وأكثَرُ بلادِ العدوة، وأخاف ملوكَ الطوائف حوله. قال عبدُ الواحد المراكشي: " اتَّسَعت مملكة الناصر، وحَكَم على أقطار الأندلس، ومَلَك طنجةَ وسبتة وغيرَهما من بلاد العدوة، وكانت أيامُه كلُّها حروبًا, وعاش المسلمون في آثارِه الحميدة آمنينَ ". وقد ابتدأ الناصِرُ ببناء مدينة الزهراء في أوَّلِ سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فكان يَقسِمُ دَخْلَ مملكتِه أثلاثًا: فثُلُثٌ يرصُدُه للجند، وثلُثٌ يدَّخِرُه في بيتِ المال، وثُلُثٌ ينفقه في الزهراء, وكان دخَلُ الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفًا، ومن السوق والمُستخلَص سبعمائة ألف دينار وخمسة وستون ألفًا. ويقال: إنَّ بناء الزهراء أُكمِلَ في اثنتي عشرة سنة، بألفِ بنَّاءٍ في اليومِ، مع البنَّاءِ اثنا عشر فاعلًا. حكى أبو الحسن الصفار: " أنَّ يوسف بن تاشفين مَلِكَ المغرب لَمَّا دخل الزهراء، وقد خَرِبَت بالنيران والهَدْمِ، من تسعين سنةً قبل دخولِه إليها، وقد نقل أكثَر ما فيها إلى قُرطُبة وإشبيليَّة، ونظر آثارًا تَشهَدُ على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان سفيهًا. فقال أبو مروان بن سراج: كيف يكونُ سفيهًا وإحدى كرائمِه أخرجت مالًا في فداءِ أُسارى في أيَّامِه، فلم يوجَدْ ببلادِ الأندلسِ أسيرٌ يُفدَى ". وقد افتتح سبعينَ حِصنًا -رحمه الله. بدأ عبدَ الرَّحمنِ الناصرَ المرَضُ وبقي فترةً على ذلك، إلى أن توفِّيَ في هذه السنة في صدر رمضان، فكانت إمارتُه خمسين سنة وستة أشهر، ثم خَلَفه ابنُه الحكمُ الذي تلقَّبَ بالمُستنصِر.
هو الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن أبي الشكر أيوب بن شاذي بن يعقوب بن مروان الدويني، ثم التكريتي، ثم الدمشقي. وُلِدَ ببعلبك في سنة 534، وهو أصغَرُ من أخيه السلطان صلاح الدين بسنتين. وقيل: وُلِدَ بدمشق سنة ثمان وثلاثين. وقيل: ولد سنة أربعين. وهو أحد ملوك الدولة الأيوبية. لما ملك صلاح الدين الديار المصرية كان العادل ينوب عنه في حال غيبته في الشام، ويستدعي منه الأموال للإنفاق على الجند وغيرهم. ولَمَّا ملك صلاح الدين مدينة حلب سنة 579 أعطاها لولده الملك الظاهِرِ غازي، ثم أخذها منه، وأعطاها للملك العادل، ثم نزل عنها للملك الظاهر غازي لمصلحةٍ وقع الاتِّفاقُ عليها بينه وبين أخيه صلاح الدين. وآخر الأمر استقل العادل بمصر سنة 596 واستقَرَّت له القواعد، ثم خُطِبَ له بحلب سنة 598, وملك معها البلادَ الشامية والشرقيَّة، ثم ملك اليمن سنة 612، وسيَّرَ إليها ابنه الملك المسعود صلاح الدين. قال أبو شامة: "عاش العادلُ ستا وسبعين سنة. نشأ في خدمة نور الدين محمود مع أبيه، وإخوته. وحضر مع أخيه صلاح الدين فتوحاتِه. وقام أحسنَ قيام في الهدنة مع ملك الفرنج بعد أخذهم عكَّا. وكان صلاح الدين يعَوِّلُ عليه كثيرًا، واستنابه بمصر مدة" ملك العادِلُ من بلاد الكرج إلى قريب همذان، والشام، والجزيرة، ومصر، والحجاز، واليمن، إلى حضرموت. وقد أبطل كثيرًا من الظلم والمكوس. ولما تمهدت له البلاد قسمَها بين أولاده، فأعطى الملك الكامل الديار المصريَّة، والملك المعظم البلاد الشامية، والملك الأشرف البلاد الشرقية، والملك الأوحد نجم الدين أيوب ميافارقين وتلك النواحي، وكان يتردد بينهم وينتقل إليهم من مملكةٍ إلى أخرى, وقد كان ملكًا عظيمًا ذا رأي ومعرفة تامةٍ قد حنكته التجاربُ، حسن السيرة، جميل الطوية، فيه حِلمٌ وأناة وصبر على الشدائد، وكان سعيد الجد، عاليَ الكعب، مظفرًا بالأعداء وافِرَ العقل، حازمًا في الأمور صالحًا محافظًا على الصلوات في أوقاتها، مائلًا إلى العلماء. قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: "كان خليقًا بالملك، حسنَ التدبير، حليمًا، صفوحًا، مجاهدًا، عفيفًا، دَيِّنًا، متصدقًا، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر طهر جميع ولايته من الخمور، والخواطئ، والمكوس، والمظالم". قال الموفق عبد اللطيف في سيرة العادل: "كان أصغر إخوته، وأطولهم عمرًا، وأعمقهم فكرًا، وأنظرهم في العواقب، وأشدهم إمساكًا، وأحبهم للدرهم". قال ابن كثير: "كان العادل حليمًا صفوحًا صبورًا على الأذى كثير الجهاد بنفسه ومع أخيه، حضر معه مواقفه كلها أو أكثرها في مقاتلة الفرنج، وكانت له في ذلك اليد البيضاء، وكان ماسك اليد، وقد أنفق في عام الغلاء بمصر أموالًا كثيرة على الفقراء وتصدق على أهل الحاجة من أبناء الناس وغيرهم شيئًا كثيرًا جِدًّا، ثم إنه كفل بعد عام الغلاء مائة ألف إنسان من الغرباء والفقراء، وكان كثير الصدقة في أيام مرضه، حتى كان يخلع جميع ما عليه ويتصَدَّق به وبمركوبه، وكان كثير الأكل ممتعًا بصحة وعافية مع كثرة صيامِه" لما ظهر الفرنج، سنة أربع عشرة وستمائة، قصد هو مرج الصفر، فلما سار الفرنج إلى ديار مصر انتقل هو إلى عالقين، فأقام به، ومرض، وتوفي في سابع جمادى الآخرة، وحمل إلى دمشق، فدُفن بالتربة التي له بها، وكانت مدة ملكه عشرين سنة إلا ثلاثة أشهر، وكان العادل قد قسم البلاد في حياته بين أولاده، فلما توفي ثبت كلٌّ منهم في المملكة التي أعطاه أبوه، واتفقوا اتفاقًا حسنًا لم يجرِ بينهم من الاختلاف شيءٌ، ثم إن ابنه الكامل محمد تملك مصر بعده وقد كان أبوه أعطاه إياها وأكمل بعده قتال الفرنج.
اتَّفَقَت مماليكُ يلبغا الأجلاب يوم الجمعة سادس صفر على الأميرِ أسندَمُر الناصري أمير كبير أتابك العساكر ومدَبِّر المملكة ونائب السلطنة، وركبوا معهم الأمراء وقت صلاة الجمعة، ودخلوا على أسندمر الناصري وسألوه أن يُمسِكَ جماعة من الأمراء، فمَسَك أزدمر العزي أمير سلاح وجركتمر المنجكي أمير مجلس، وبيرم العزي الدوادار الكبير، وبيبغا القوصوني، والأمير آخور كبك الصرغتمشي الجوكندا، واستمَرَّ المماليك لابسين السلاح، وأصبحوا يوم السبت ومَسَكوا خليل بن قوصون ثم أطلقوه، وانكسرت الفتنةُ إلى عشية النهار وهي ليلة الأحد، وقالوا لأسندمر: نريد عَزْلَ الملك الأشرف، وكان أسندمر مقهورًا معهم، وبلغ الخبَرُ المَلِكَ الأشرف، فأرسل في الحال إلى خليل بن قوصون فحضر، ورَكِبَ الملك الأشرف وركب ابن قوصون ومماليك الأشرف الجميعُ مع أستاذهم، وكانوا نحو المائتين لا غير، وكان الذين اجتمعوا من مماليك يلبغا فوق الألف وخمسمائة، وركِبَ مع الملك الأشرف جماعةٌ مِن الأمراء الكبار مثل أسنبغا ابن الأبو بكري وقشتمر المنصوري في آخرين، وضُرِبَت الكوسات، واجتمع على السلطان خلقٌ كثير من العوام، ولَمَّا بلغ أسندمرَ الناصري ركوبُ الملك الأشرف، أخذ جماعةً من مماليك يلبغا، وطلع من خلف القلعةِ كما فعل أولًا في واقعة آقبغا الجلب، وتقَدَّمت مماليك يلبغا وصَدَموا المماليك الأشرفية وتقاتلوا، وبينما هم في ذلك جاء أسندمر بمن معه من تحت الطبلخاناه كما فعل تلك المرَّة، فعلم به الأشرفيَّة والأمراء، فمالوا عليه فكَسَروه أقبحَ كَسرةٍ وقرب أسندمر، ثم أُمسِكَ وتمَزَّقَت المماليك اليلبغاوية، فلما جيءَ للأشرف بأسندمر وحضر بين يديه شفع فيه الأمراءُ الكبار، فأطلقه السلطان ورسم له أن يكون أتابكًا على عادتِه، ورسم له بالنزول إلى بيتِه بالكبش، ورسم للأمير خليل بن قوصون أن يكون شريكَه في الأتابكية، فنزل أسندمر إلى بيتِه ليلة الاثنين، وأرسل السلطانُ معه الأمير خليل بن قوصون صفةَ الترسيم، وهو شريكُه في وظيفة الأتابكية، ليُحضِرَه في بكرة نهار الاثنين، فلما نزلا إلى الكبش، تحالفَا وخامرا ثانيًا على السلطانِ، واجتمع عند أسندمر وخليل بن قوصون في تلك الليلة جماعةٌ كبيرة من مماليك يلبغا، وصاروا مع أسندمر كما كانوا أولًا، وأصبحا يوم الاثنين وركبا إلى سوق الخيل، فركب السلطانُ بمن معه من الأمراء والمماليك الأشرفية وغيرهم، فالتَقَوا معهم وقاتلوهم وكسَروهم، وقتلوا جماعةً كبيرة من مماليك يلبغا، وهرب أسندمر وابن قوصون واشتغل مماليكُ السلطان والعوام بمَسكِ مماليك يلبغا، يمسِكونَهم ويحضرونهم عرايا مُكَشَّفي الرؤوس، وتوجه فِرقة من السلطانية إلى أسندمر وابن قوصون فقَبَضوا عليهما وعلى ألطنبغا اليلبغاوي وجماعة أُخَر من الأمراء اليلبغاوية، فقُيِّدوا وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية، ثم جَلَس الملك الأشرف شعبان في الإيوان وبين يديه أكابِرُ الأمراء، ورسم بتسميرِ جماعةٍ مِن مماليك يلبغا نحوَ المائة وتوسيطِهم- أي: قتلهم- ونفى جماعة منهم إلى الشام، وأخذ مال أسندمر وأنفق على مماليكِه لكُلِّ واحد مائة دينار، ولكُلِّ واحد من غير مماليكِه خمسون دينارًا، ورسم للأمير يلبغا المنصوري باستقراره أتابك العساكر هو والأمير ملكتمر الخازندار، وأنعم على كلٍّ منهما بتقدمة ألف، وأنعم على تلكتمر بن بركة بتقدمة ألفٍ عوضًا عن خليل بن قوصون، وكان ذلك في سادس عشر صفر، ثم أصبح السلطانُ من الغد يوم الثلاثاء سابع عشر صفر قبض على يلبغا المنصوري ورفيقه تلكتمر المحمدي؛ لأنَّهما أرادا الإفراج عن مماليك يلبغا العمري، وقَصَد يلبغا المنصوري أن يسكن بالكبش، فمسكهما الملكُ الأشرف وأرسلهما إلى الإسكندرية، ثم أرسل السلطانُ بطلب الأمير منكلي بغا الشمسي نائب حلب إلى الديار المصرية، فحضرها بعد مدَّة وخَلَع عليه السلطانُ خِلعةَ النيابة بديار مصر، فأبى أن يكون نائبًا، فأنعم عليه بتقدمة ألفٍ وجعله أتابك العساكر، وتولى نيابةَ حلب عِوَضَه طيبغا الطويلُ، وكان أخرجه من سِجنِ الإسكندرية قبل ذلك.