هو الغازي أرطغرل بك بن سليمان شاه القايوي التركماني كان مع والده سليمانَ شاه عندما انتقلَ من موطنهم الأصلي باتجاه الغربِ على أثر الاجتياحِ التتري إلى أن غَرِقَ والده سليمان في الفراتِ فرجع أخويه سنقور تكين وكون طوغدي إلى الشرق, ومكث أرطغرل في ذلك الموضِعِ يجاهِدُ الكُفَّار، ثم أرسل ابنَه صارو بالي إلى علاء الدين السلجوقي يستأذِنُه في الدخول إلى بلادِه، ويطلب منه موضعًا ينزِلُ فيه فأذِنَ له وعَيَّنَ له جبالَ طومالج وأرمنك وما بينهما، فأقبل أرطغرل مع أربعمائة خركاه- خيمة- من قومِه فتوطَّنوا في قرة جه طاغ، وكان أرطغرل شجاعًا فشَمَّرَ ساعد الجِدِّ في خدمة السلطانِ علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن طغرل السلجوقي، ولَمَّا قصد علاءُ الدين غزوَ الكُفَّارِ أقبل أرطغرل إليه نجدةً له، فازداد عند السلطان مكانةً وقربًا, فأقطعه جزءًا كبيرًا من الأرضِ مقابِلَ الروم مكافأةً له مِن جهةٍ، ومن جهة أخرى يكون ردءًا له من الروم، فاستقَرَّت هذه الأسَرُ التركمانيَّةُ في تلك الناحية قريبًا من بحر مرمرة التابع للبحر الأسود قريبًا من مدينة بورصة، فلما نازل السلطانُ علاء الدين سنة 685 قلعةَ كوتاهيه وقد كانت للكُفَّار، فلما قرب مِن أخذِ القلعة بلغه أنَّ التَّتارَ يَطرُقُ بعضَ بلاده، فنهض إلى طرَفِ العدو وفوَّضَ أمرَ القلعة إلى أرطغرل بك وتركه بها مع بعضِ العسكَرِ. ولم يزل حتى فتحها عَنوةً وغَنِمَ شيئًا كثيرًا، ولم يزَلْ بعد ذلك يجاهد، وفُتِحَت على يديه بلادٌ كثيرة من بلاد الكُفَّارِ حتى توفِّيَ في شهور هذه السنة، فلمَّا سمع علاء الدين بوفاتِه تأسَّفَ عليه, وكتب لعثمانَ بنِ أرطغرل بالسَّلطنةِ، وأرسل إليه خِلعةً وسَيفًا ونقارةً، وخَصَّه بالغزوِ على الكُفَّار.
في يوم الخميس الثاني عشر محرم ورد الخبر من نائب حلب يشبك البجاسي أن شاه سوار نائب أبلستين خرج عن طاعةِ السلطان سيف الدين خشقدم، ويريد المشيَ على البلاد الحلبية، فرسم السلطانُ في الحال بخروج نائب طرابلس ونائب حماة إلى جهة البلاد الحلبية لمعاونة نائب حلب إن حصل أمر، ثم عيَّن السلطان تجريدة- خيل لا رَجَّالة فيها- من مصر إلى جهات البلاد الحلبية إن ألجأت الضرورة إلى سفرهم، ثم إنَّ الأمير بردبك نائب الشام خرج من دمشق بعساكرها في آخر المحرم إلى جهة حلب لمعاونة نائب حلب على قتال شاه سوار، كما أن جميع نواب البلاد الشامية قد خرجوا من أعمالهم إلى البلاد الحلبية، لقتال شاه سوار بن دلغادر، كان بردبك قد تهاون في قتال شاه سوار، وخذل العسكر الشامي لِما كان في قلبه من الملك الظاهر خشقدم، فكان ذلك سببًا لكسر العسكر الشامي والحلبي وغيرهم ونهْبِهم، وقتل في هذه الواقعة نائب طرابلس قاني باي الحسني المؤيدي، ونائب حماة تنم خوبي الحسيني الأشرفي، وأتابك دمشق قراجا الخازندار الظاهري، وأتابك حلب قانصوه المحمدي الأشرفي، وغيرهم من أمراء البلاد الشامية، وغيرهم، ثم ورد الخبر من البلاد الحلبية من أمر شاه سوار، وقتل أكابر أمراء البلاد الشامية، ونهبه للبلاد الحلبية، وأخذه قلاع أعمالها، وأنَّ نائب الشام بردبك في أسره، وأن يشبك البجاسي نائب حلب دخل إلى حلب على أقبح وجهٍ، وورد الخبَرُ بأن الأمير بردبك نائب الشام فارق شاه سوار، وقدم إلى مرعش طائعًا، ثم سار إلى منزلة قارا في يوم الخميس السابع عشر ربيع الآخر، ثم استطاع الجيش بعد ذلك من أسر شاه سوار وأخذ إلى القاهرة وقتل فيها وعُلِّقَ على باب زويلة.
حاصرت التتار إربل بالمجانيق ونقبوا الأسوارَ حتى فتحوها عَنوةً فقَتَلوا أهلها وسَبَوا ذراريهم، وامتنعت عليهم القلعةُ مُدَّةً، وفيها النائبُ من جهة الخليفة، فدخل فصلُ الشتاء فأقلعوا عنها وانشَمَروا إلى بلادهم، وقيل إنَّ الخليفة جهَّزَ لهم جيشًا فانهزم التتار.
كان ملك المجر فيلاد يسلاف الثاني جاجليو قد عزم على فكِّ أي تعهدات كانت قد أُعطيت من قِبَل أسلافه لسلاطين الدولة العثمانية، وذهب إلى حدِّ قَتْل مبعوث السلطان سليمان إليه، وكان المبعوثُ يطالب بالجزية السنوية المفروضة على المجر، فسيَّرَ السلطان سليمان القانوني جيشًا من القسطنطينية لمحاربة المجر، مؤلفًا من مائة ألف جندي و300 مدفع و800 سفينة في نهر الطونة- الدانوب- لنقل الجيوش من برٍّ إلى آخر، فسار الجيش تحت قيادة السلطان ووزرائه الثلاثة إلى بلاد المجر من طريق الصرب مارين بقلعة بلغراد التي جُعِلت قاعدةً لأعمالهم الحربية، وبعد أن افتتح الجيش عدةَ قلاع ذات أهمية حربية على نهر الطونة، وصل بجمعه إلى وادي موهاكس في 20 ذي القعدة من هذه السنة، وفي اليوم الثاني اصطفَّت الجنود العثمانية على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه كافة المدافع وفرقة الانكشارية في الصف الثالث، فهجم فرسان المجر المشهورون بالبسالة والإقدام تحت قيادة ملكِهم على صفِّ العساكر العثماني الأول، فتقهقر أمامهم العثمانيون خلفَ المدافع، ولَمَّا وصلت فرسان المجر بالقرب من المدافع أمر السلطان بإطلاقِها عليهم فأطلقت تباعًا وتوالى إطلاقها بسرعة غريبة أوقعت الرعبَ في قلوب المجَريين، فأخذوا في التقهقر تتبعُهم العساكر المظفرة، حتى قُتِل أغلب الفرسان المجرية وقُتِل مَلِكُهم ولم يُعثَر على جثته، فكانت هذه الواقعة سببًا في ضياع استقلال بلاد المجر بأسرها؛ لعدم وجود جيش آخر يقاوم العثمانيين في مسيرهم، ولحصول الفوضى في البلاد بسبب موت ملِكِهم؛ ولذلك أرسل أهالي مدينة بودبست عاصمة المجر مفاتيحَ المدينة إلى السلطان سليمان فاستلمَها وسار يحفُّ به النصر ويحدوه الجلال حتى وصل إلى مدينة بود ودخلها في 3 ذي الحجة مشددًا الأوامر على الجنود بعدم التعرض للأهالي، والمحافظة على النظام، لكن لم تُجدِ تنبيهاته شيئًا بل انتشرت الجنود في جميع أنحاء المدينة وفي جميع أرجاء بلاد المجر, وبعد دخول السلطان إلى مدينة بود جمع أعيان القوم وأمراءهم، ووعدهم بأن يعيِّنَ جان زابولي أمير ترانسلفانيا ملكًا عليهم ثم غادرها إلى مقر خلافته مستصحبًا معه كثيرًا من نفائس البلاد وأهمُّها الكتب التي كانت موجودة في خزائن متياس كورفن.
ملكَ صلاحُ الدِّينِ يوسف بن أيوب مدينةَ دمشق، وسبَبُ ذلك أنَّ نور الدين لَمَّا مات ومَلَك ابنُه المَلِكُ الصالح إسماعيلُ بعده كان بدمشق، ولَمَّا استولى سيفُ الدين غازي بن قطب الدين مودود صاحِب الموصل وعَمِّ الملك الصالح إسماعيل على البلاد الجزرية، خاف شمس الدين علي بن الداية-وهو أكبر الأمراء النورية- أن يُغيرَ إلى حلب فيَملِكَها، فأرسل الخادمَ سعد الدين كمشتكين إلى دمشق لِيُحضِرَ الملك الصالح ومعه العساكِر إلى حلب، فلما وصلوا إليها قبَضَ سعد الدين على شمس الدين بن الداية وإخوته، وعلى ابن الخشاب رئيس حلب ومُقَدَّم الأحداث فيها، واستبَدَّ سعد الدين بتدبير الملك الصالح، فخافه ابن المُقَدَّم وغيره من الأمراء الذين بدمشق، وكاتبوا سيف الدين غازي صاحب الموصل ليَعبُرَ الفرات إليهم؛ لِيُسَلِّموا إليه دمشق، فامتنع عن قصد دمشق، وراسل الخادم سعد الدين الملك الصالح وصالَحَهما على ما أخَذَه من البلاد، فلما امتنع سيفُ الدين غازي عن العبور إلى دمشق عَظُمَ خَوفُ ابن المقدم ومن معه من الأمراء، وقالوا: حيث صالحَ الخادم سعد الدين سيف الدين والملك الصالح لم يبقَ لهم مانعٌ عن المسير إلينا، فكاتبوا حينئذ صلاحَ الدين يوسف بن أيوب، صاحِبَ مصر، واستدعوه ليُملكوه عليهم، فلما وصلت الرسُلُ إلى صلاح الدين بذلك لم يلبَثْ، وسار جريدة -الجريدة خَيْلٌ لا رَجَّالة فيها- في سبعمائة فارس، والفرنج في طريقه، فلم يبالِ بهم، ثم سار صلاح الدين إلى دمشق فخرج كلُّ من بها من العسكر إليه، فلَقُوه وخدموه، ودخل البلد، ونزل في دار والده المعروفةِ بدار العقيقي، وكانت القلعةُ بيد خادم اسمه ريحان، فأحضر صلاح الدين كمالَ الدين بن الشهرزوري وهو قاضي البلد والحاكِمُ في جميع أموره من الديوانِ والوقف وغير ذلك، وأرسَلَه إلى ريحان ليسَلِّمَ القلعة إليه، وقال: "أنا مملوكُ الملك الصالح، وما جئتُ إلَّا لأنصُرَه وأخدمه، وأعيدَ البلاد التي أُخِذَت منه إليه"، وكان يَخطُبُ له في بلاده كلها، فصَعِدَ كمال الدين إلى ريحان، ولم يزَلْ معه حتى سَلَّمَ القلعة، فصَعِدَ صلاح الدين إليها، وأخَذَ ما فيها من الأموال، وأخرجها واتَّسَع بها وثَبَّت قَدَمَه، وقَوِيَت نفسه، وهو مع هذا يُظهرُ الطاعة للملك الصالح، والخُطبة والسكة باسمه، والصالحُ يخاطِبُه بالمملوكِ.
حجَّ النَّاسُ مِن العراقِ بعد أن توقَّفَ الحَجُّ مِن جِهةِ العِراقِ والشَّامِ وما وراءَ النَّهرِ؛ خوفًا من الأعرابِ الذين كانوا يَقطَعونَ الحَجَّ ويَنهَبونَ ويَقتُلونَ الحُجَّاجَ؛ حيث بقِيَ الأمرُ على ذلك عِدَّةَ سَنَواتٍ تُقارِبُ العَشرَ، لا يخرُجُ وَفدُ حَجٍّ مِن هذه المناطِقِ إلَّا من مصرَ والمغربِ واليمَنِ أحيانًا.
في هذه الحادثةِ العظيمةِ رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الأنبياءَ، ورأى سِدرةَ المُنتهى وغيرَ ذلك مِنَ الآياتِ العظيمةِ، وفيها فُرِضتْ الصَّلواتُ الخمسُ، وهو أمرٌ تتَّفِقُ عليه رِواياتُ الصَّحيحينِ، وقد كذَّبتْ قُريشٌ وقوعَ حادثةِ الإسراءِ والمِعراجِ، وهذا أمرٌ اتَّفقتْ عليه رِواياتُ الصَّحيحينِ أيضًا، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لقد رأيتُني في الحِجْرِ وقُريشٌ تسألُني عن مَسْرايَ، فسألَتني عن أشياءَ مِن بيتِ المَقدسِ لم أُثْبِتْها، فكُرِبْتُ كُربةً ما كُرِبْتُ مِثلَهُ قَطُّ». قال: " فرفعهُ الله لي أنظرُ إليه، ما يسألوني عن شيءٍ إلَّا أنبأتُهم به، وقد رأيتُني في جماعةٍ مِنَ الأنبياءِ، فإذا موسى قائمٌ يُصلِّي، فإذا رجلٌ ضَرْبٌ، جَعْدٌ كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءَةَ، وإذا عيسى ابنُ مريمَ عليه السَّلامُ قائمٌ يُصلِّي، أقربُ النَّاسِ به شَبَهًا عُروةُ بنُ مَسعودٍ الثَّقفيُّ، وإذا إبراهيمُ عليه السَّلامُ قائمٌ يُصلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ به صاحبُكم - يعني نَفْسَهُ - فحانتِ الصَّلاةُ فأَمَمْتُهُم، فلمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قال قائلٌ: يا محمَّدُ، هذا مالكٌ صاحبُ النَّارِ، فَسلِّمْ عليه، فالتفَتُّ إليه، فبدأَني بالسَّلامِ ".
هو أبو بكرٍ الصِّدِّيق عبدُ الله بن عُثمانَ بن عامرِ بن كعبِ بن سعدِ بن تَيْمِ بن مُرَّةَ بن كعبِ بن لُؤَيٍّ. وهو أحدُ العشرةِ المُبشَّرين بالجنَّةِ، وأوَّلُ الخُلفاءِ الرَّاشِدين، مِن أَوائلِ المُصَدِّقين للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والمؤمنين به، بَقِيَ معه في مكَّة حتَّى هاجَر معه فكان صاحِبَه في ذلك، قَدَّمَهُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للصَّلاةِ بالنَّاس في مَرَضِ مَوتِه، أَنفقَ في سبيلِ الله كُلَّ مالِه، كان وَزيرَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحِبَ مَشورَتِهِ، بايَعَهُ المسلمون على الخِلافَةِ بعدَ مَوْتِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما هو مَذكور، تُوفِّيَ أبو بكرٍ الصِّدِّيق بعدَ أن بَقِيَ خَليفةً مُدَّةَ سَنتين وثلاثةِ أَشهُر وعشرةِ أيَّام، تُوفِّيَ بعدَ أن مَرِضَ، وقد قام خِلالَ هذه المُدَّةِ القصيرةِ بِرَدِّ المُرْتَدِّين وحَرْبِهِم والتي شَمِلَتْ أجزاءَ الجزيرةِ كلَّها، ثمَّ كانت الحُروبُ مع الفُرْسِ والرُّومِ حيث أظهرت قُوَّةَ المسلمين وإمكاناتِهم القِتاليَّة التي لا يُستهان بها، دُفِنَ بجانِبِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حُجْرَةِ عائشةَ، فكان مع صاحِبِه كما كان معه في الدُّنيا، فجزاهُ الله عن الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ خيرًا ورضِي الله عنه وأَرضاهُ.
خرج الخليفةُ الراضي وأميرُ الأمراءِ محمَّدِ بن رائق من بغداد قاصدينِ واسِطَ؛ لقتال أبي عبد الله البريدي نائبِ الأهواز، الذي قد تجبَّرَ بها ومنع الخَراج، فلما سار ابنُ رائق إلى واسِط خرجَ الحجريَّةُ فقاتلوه فسَلَّطَ عليهم بجكم فطحَنَهم، ورجع فَلُّهم إلى بغدادَ فتلقَّاهم لؤلؤ أميرُ الشرطة فاحتاط على أكثَرِهم ونُهِبَت دورهم، ولم يبقَ لهم رأسٌ يَرتَفِع، وقُطِعَت أرزاقهم من بيت المال بالكليَّة، وبعث الخليفةُ وابنُ رائق إلى أبي عبد الله البريدي يتهدَّدانه فأجاب إلى حَملِ كُلِّ سَنةٍ ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار يقوم بها، تحمَلُ كُلَّ سَنةٍ على حدته، وأنه يجهِّزُ جيشًا إلى قتال عضُدِ الدولة بن بويه، فلما رجع الخليفةُ إلى بغداد لم يَحمِلْ شيئًا ولم يبعَثْ أحدًا، ثم بعث ابنُ رائق بجكم وبدرًا الحسيني لقتال البريدي، فجَرَت بينهم حروب وخطوب، ثم لجأ البريدي إلى عمادِ الدولة واستجار به، واستحوذ بجكم على بلادِ الأهواز، وجعل إليه ابنُ رائق خراجَها، وكان بجكم هذا شجاعًا فاتكًا، وفي ربيع الأول خلع الخليفةُ على بجكم وعقَدَ له الإمارةَ ببغداد، وولَّاه نيابة المشرق إلى خُراسان.
سار بوزابة، صاحِبُ فارِسَ وخوزستان، وعساكِرُه إلى قاشان، ومعه المَلِكُ محمد بن السُّلطان محمود، ووصل إليهما المَلِكُ سُليمان بن السُّلطان محمَّد، واجتمع بوزابة والأميرُ عَبَّاس صاحِبُ الري، واتَّفَقا على الخروجِ عن طاعة السُّلطان مسعودٍ ومَلَكا كثيرًا مِن بلادِه، ووصل الخبَرُ إليه وهو ببغداد ومعه الأميرُ عبد الرحمن طغايرك، وهو أميرٌ حاجِبٌ، حاكِمٌ في الدولة، وكان ميلُه إليهما، فسار السُّلطانُ في رمضانَ عن بغداد، ونزل بها الأميرُ مُهلهل، ونظر وجماعةً من غلمان بهروز؛ وسار السُّلطانُ وعبد الرحمن معه، فتقارب العَسكَران، ولم يبقَ إلَّا المصافُّ، فلَحِقَ سُلَيمانُ بأخيه مسعود، وشرع عبدُ الرحمن في تقريرِ الصُّلحِ على القاعدةِ التي أرادوها، وأُضيفَ إلى عبدِ الرَّحمنِ ولايةُ أذربيجان وأرانية إلى ما بيده، وصار أبو الفتح ِبنُ دارست وزيرَ السُّلطان مسعود، وهو وزيرَ بوزابة، فصار السُّلطانُ معهم تحت الحجر، وأبعدوا بك أرسلان بن بلنكري المعروف بخاص بك، وهو ملازِمُ السُّلطان وتربيته، وصار في خدمةِ عبد الرحمن لِيَحقِنَ دَمَه، وصار الجماعةُ في خدمة السُّلطان صورةً لا معنى تحتَها.
بدأ فيليب الثاني يستعدُّ لاحتلال جزيرة باديس، وشجَّعه على ذلك النصرُ الذي حقَّقه في وهران، فوجَّه لذلك أسطولًا في هذه السَّنة, فقاومه المجاهدون مقاومةً عنيفةً، واضطرَّ الأسطول إلى التراجع, والجديرُ بالذكر أنَّ جزيرة باديس كانت أقربَ نقطة مغربية إلى جبل طارق، وأنَّها كانت بالنسبة للمجاهدين ميناءً هامًّا؛ إذ يمكِنُهم من خلالها العبور للأندلس، كما يمكِنُهم التسلل لداخل الأراضي الإسبانية؛ لتقديم المساعدة للمسلمين هناك، والذين أطلقوا على أنفُسِهم الغرباء، وهذا ما دفع الإسبانيين إلى الهجوم عليها من خلال محاولتهم السابقة، كما كانت جزيرة باديس بالإضافة إلى ذلك مثارَ رعب وخوفٍ لدى السلطان السعدي الغالب بالله؛ إذ خاف السلطان أن يخرجَ الأسطول العثماني من تلك الجزيرة إلى المغرب، فاتَّفق مع الإسبان أن يخلِّيَ لهم الأدالة من حجرة باديس ويبيع لهم البلاد ويُخلِّيها من المسلمين، وينقطع أسطولُ العثمانيين في تلك الناحية، مقابِلَ الدفاع عن شواطئ المغرب إذا هاجمها الأسطول العثماني الذي علِمَ بتلك المؤامرة، فانسحب ورجع إلى الجزائر، كما عزل بويحيى رايس من منصبه في باديس في أواخر هذا العام, وانصرف العثمانيون عن الحرب في غرب البحر المتوسط؛ إذ توجَّه نشاط الأسطول الحربي إلى جزيرة مالطة في الشرق.
طلبت روسيا من الدولة العثمانية تعديل معاهدة بساروفيتش، وذلك بما يتيح لتجَّارها المرور من أراضي الدولة العثمانية وبيع سِلَعِهم فيها، وأن يتوجَّه الحجاج الروس إلى بيت المقدس وغيره من الأماكن والأديرة المقدسة بدون دفعِ خراج أو رسوم أثناء إقامتهم أو على جوازات سفرهم. وأضيف إلى هذه المعاهدة شرط آخر ذو أهمية سياسية كبيرة؛ حيث تعهدت الدولة العثمانية وروسيا بموجِبه بمنع زيادة نفوذ الملك المنتخب ببولونيا على نفوذ الإشراف، وعدم تمكينه من جعْل منصبه وراثيًّا في عائلته، ومنْع وصول هذين الأمرين بكل الوسائل الممكنة، بما فيها الحرب. وقصد الإمبراطور الروسي بطرس الأكبر بهذا الشرط إيجاد النفور والعداوة بين البولونيين والعثمانيين؛ حتى لا يتشكَّلَ حِلفٌ بين مجاوريه الأقوياء (السويد وبولونيا والدولة العثمانية) فيقوموا بمحاربته، وهذا يعني إضعاف مجاوريه الواحد بعد الآخر؛ لتزيد قوة روسيا بازدياد ضعف جيرانها الأقوياء، وقد نجح فيما يتعلق بالسويد، ثم شرع في تنفيذ خطته ضد بولونيا والدولة العثمانية، ووضع الإمبراطور الروسي بهذه المعاهد أولَ حجر في مشروعه لإضعاف بولونيا مع الدولة العثمانية.
السيد سابق صاحبُ كتابِ "فقه السُّنة"، تخرَّج في كليَّة الشريعة، من مواليد محافظة المنوفية مركز الباجور قرية إسطنها، بدأ يكتُب في فقه الطهارة، معتمِدًا على كتب فقه الحديث، التي تُعنى بالأحكام، مثل: (سُبل السلام) للصنْعانيِّ، شرح (بلوغ المرام) لابن حَجَر، و(نيل الأوطار) للشوْكاني، وشرح (مُنْتَقى الأخيار من أحاديث سيد الأخيار) لابن تَيْميةَ الجدِّ، وغير ذلك من المصادر المختلِفة، مثل (المُغْني) لابن قُدامة، و(زاد المعاد) لابن القَيِّم، وغيرهما، قُدِّم للمحاكَمةِ في قضية مَقتَل النُّقْراشي باشا، حيث زَعَموا في ذلك الوقت أنَّه هو الذي أفتى الشابَّ القاتلَ عبد المجيد حسن بجواز قَتلِه، وكانت الصحُف تُلَقِّبُه في ذلك الوقت بـ (مفتي الدماء)، ولكنَّ المحكمةَ برَّأَتْه، وأخْلَت سبيلَه، ثم اعتُقِلَ في سنةِ 1949م واقْتيدَ إلى مُعتَقَل الطور.
عُيِّنَ بعد ذلك مديرًا لإدارة الثقافة في وزارة الأوقاف، في عهد وزير الأوقاف أحمد حسن الباقوري، ثم انتقل في السنين الأخيرة من عمره إلى (جامعة أم القرى) بمكَّة المكرَّمة، وتُوفيَ -رحمه الله- عن عُمرٍ يُناهز 85 سنةً، ودُفنَ بمدافن عائلته بقرية إسطنها، حيث مسقطُ رأسِه.
قَتلَت حكومةُ بنغلاديش مساعدَ الأمينِ العامِّ لحزب الجماعة الإسلامية ببنغلادش الشَّيخَ عبد القادر ملا رحمه الله. بتُهمةِ ارتكابِ جرائِمَ خلالِ الحربِ من أجلِ الاستقلالِ عن باكستان عامَ (1971م). وقد استنكَرَتْ عددٌ من الجهاتِ الإسلاميَّةِ الحدثَ وعدَّتْه من كُبرَى جرائِمِ حكومةِ بنغلاديش.