الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 635 العام الميلادي : 1237
تفاصيل الحدث:

قوي المجاهِدُ أسد الدين شيركوه الأصغر صاحب حمص بعد موت الكامل، وأغار على حماة وحصرها واستعدَّ أهل حلب، واستنجدوا عسكرًا من الخوارزمية، وعسكرًا من التركمان، كان قد صار إليهم عِدَّة من أصحاب الملك الكامل، فأكرموهم، وبَعَثوا إلى السلطان غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ، ملك الروم، يسألونه إرسالَ نجدة، فأمدَّهم بخيار عسكره، وخرجوا فمَلَكوا المعرَّة، ونازلوا حماة، وقاتلوا المظفَّر صاحبَها، فثبت لهم وامتنع عليهم وقاتلهم، وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل على الرحبةِ منازلًا لها، فلما بلغه موتُ أبيه الملك الكامل رحل عنها، فطَمِعَ فيها مَن معه من الخوارزمية، وخرجوا عن طاعته، وهموا بالقَبضِ عليه، فقصد سنجار، وامتنع بها مُدَّة، وترك خزائنَه وأثقاله، فانتهبها الخوارزميَّة، وتحكموا في البلاد الجزرية، وطَمِعَ فيه السلطان غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ ملك بلاد الروم، وبعث إلى الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف صاحب حلب توقيعًا بالرَّها وسروج، وكانا مع الصالحِ نجم الدين أيوب، وأقطع المنصورُ ناصر الدين الأرتقي، صاحب ماردين، مدينةَ سنجار ومدينة نصيبين، وهما من بلاد الصالحِ أيضًا، وأقطع المجاهِدُ أسد الدين شيركوه، بلدة عانة وغيرها من بلاد الخابور، وعزم السلطانُ غياث الدين كيخسرو على أن يأخذ لنَفسِه من بلاد الصالح أيضًا آمد وسميساط، وصار الملك الصالح محصورًا بسنجار، فطمع فيه الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وحصره بسنجار في ذي القعدة، وأراد حمْلَه إلى بغداد في قفص حديد؛ كراهةً فيه، لِما كان عنده من التجبر والظلم والتكبر، فلما أشرف بدر الدين لؤلؤ على أخذ سنجار بعث الصالح إليه القاضي بدر الدين يوسف بن الحسن الزرزاري قاضي سنجار، بعد ما حَلَق لحيته، ودلَّاه من السور، وكان القاضي الزرزاري متقدمًا في الدولةِ الأشرفية، فتوجه القاضي في خفيةٍ إلى الخوارزمية، واستمالهم وطيَّبَ خواطِرَهم، بكثرة ما وعدهم به فمالوا إليه، بعد ما كانوا قد اتفَقوا مع صاحب ماردين، وقصدوا بلاد الملك الصالح نجم الدين أيوب، واستولوا على العُمَّال، ونازلوا حران وكان الملك الصالح قد ترك بها ولده المغيث فتح الدين عمر بن الصالح فخاف من الخوارزمية، وسار مختفيًا حتى فرَّ إلى قلعة جعبر، فساروا خَلْفَه، ونهبوا ما كان معه، وأفلَتَ منهم في شرذمة يسيرةٍ إلى منبج، فاستجار بعمة أبيه، الصاحبة ضيفة خاتون، أم الملك العزيز، صاحب حلب، فلم تقبَلْه، ففَرَّ إلى حران، وفيها أتاه كتابُ أبيه يأمره بموافقة الخوارزمية، والوصولِ بهم إليه لدفع بدر الدين لؤلؤ صاحبِ الموصل، فاجتمع المغيثُ عمر، والقاضي بدر الدين قاضي سنجار بالخوارزمية، والتزم لهم القاضي أن يُقطَعوا سنجارَ وحران والرها، فطابت قلوبُهم، وحلفوا للملك الصالح، وقاموا في خدمةِ ابنه الملك المغيث، وساروا معه إلى سنجار، فأفرج عنها عسكر الموصِل، يريدون بلادهم، وأدركهم الخوارزميَّة، وأوقعوا بهم وقعةً عظيمة، فر فيها بدر الدين لؤلؤ بمفردِه على فرس سابق، ثم تلاحقَ به عسكره، واحتوت الخوارزميَّة على سائرِ ما كان معه، فاستغنوا بذلك، وقوِيَ الملك الصالح بالخوارزميَّة وبالفتح قوةً زائدة، وعظُمَ شأنه، وسيَّرَ الخوارزمية إلى آمد، وعليها عسكر السلطان غياث الدين كيخسرو صاحب الروم، وبها المعظم غياث الدين تورانشاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب وهو محصورٌ منهم، فأوقعوا بهم ورحَّلوهم عن آمد فخرج الصالح من سنجار إلى حصن كيفا، وبعث الملكُ العادل بن الملك الكامل من مصرَ إلى أهل حلبٍ يريد منهم أن يجروا معه على ما كانوا عليه مع أبيه الملك الكامل من إقامة الخطبة له على منابر حلَب، وأن تُضرَبَ له السكة فلم يُجِبْ إلى ذلك، وقَدِمَ رسول غياث الدين كيخسرو ملك الروم، فزوج غازية خاتون ابنة العزيز السلطان غياث الدين، وأنكح الملك الناصر صاحب حلب أخت السلطان غياث الدين، وتولى العقدَ الصاحِبُ كمال الدين بن أبي جرادة بن العديم، وخرجَ في الرسالة إلى بلاد الروم، وعقد للملك الناصرِ صاحِبِ حلب على ملكة خاتون أخت السلطان غياث الدين، فبعث غياثُ الدين رسولًا إلى حلب، فأُقيمَت له بها الخطبة، وخرج الملكُ الجواد من دمشق في أول ذي الحجة، يريد محاربةَ النَّاصِرِ داود بن الملك المعَظَّم صاحب كرك، بأذنبا بالقرب من نابلس، فانكسر الناصر كسرةً قبيحة، في يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة، وانهزم إلى الكرك، فغَنِمَ الجواد ما كان معه، وعاد إلى دمشقَ، وفرَّقَ ستَّمائة ألف دينار وخمسة آلاف خلعة، وأبطل المكوس والخمور، ونفى المغاني، وعاد من كان في دمشق من عسكر مصرَ ومعهم الأميرُ عماد الدين بن شيخ الشيوخ إلى القاهرة، بسناجق الناصر، في السادس والعشرين من ذي الحجة، فلم يعجب الملك العادل ذلك، وخاف من تمكُّن الملك الجواد.