الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 485 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1092
تفاصيل الحدث:

هو أبو الفَتحِ ملكشاه بن ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، المُلَقَّب بجَلالِ الدولة. لمَّا تُوفِّي أَبوهُ كان ملكشاه وَلِيَّ الأَمرِ مِن بَعدِه بِوَصِيَّةِ والِدِه وتَحليفِ الأُمراءِ والأَجنادِ على طاعَتِه، ووَصَّى وَزيرَه نِظامَ المُلْكِ أبا عليٍّ الحَسنَ على تَفرِقَةِ البِلادِ بين أَولادِه، ويكون مَرجِعُهم إلى ملكشاه، ففَعَلَ ذلك، وعَبَرَ بهم نَهرَ جيحون راجِعًا إلى البلادِ, فلمَّا وَصَلَ وَجَدَ عَمَّهُ قاروتبك صاحِبَ كرمان قد خَرَجَ عليه، فعاجَلَهُ وتَصافَّا بالقُرْبِ من همذان، فهَزَمهُ، فتَبِعَه بَعضُ جُنْدِ ملكشاه فأَسَروهُ وحَمَلوهُ إلى ملكشاه، فبَذَلَ التَّوبَةَ ورَضِيَ بالاعتِقالِ وأن لا يُقتَل، فلم يُجِبهُ ملكشاه إلى ذلك، فأَمَرَ بقَتلِه فخُنِقَ بوَتَرِ قَوسِه، واستَقرَّت القَواعدُ للسُّلطانِ وفَتَحَ البِلادَ واتَّسعَت عليه المَملكَةُ، ومَلَكَ ما لم يَملِكهُ أَحدٌ من مُلوكِ الإسلامِ بعدَ الخُلفاءِ المُتقدِّمين، فكان في مَملَكتِه جَميعُ بلادِ ما وراءَ النهرِ وبلادُ الهياطلة وبابُ الأبوابِ والرُّومُ ودِيارُ بَكرٍ والجَزيرةُ والشامُ، وخُطِبَ له على جَميعِ مَنابرِ الإسلامِ سِوى بلادِ المَغرِب، فإنه مَلَكَ مِن كاشغر وهي مَدينةٌ في أَقصَى بلادِ التُّركِ إلى بَيتِ المَقدِس طُولًا، ومِن القُسطنطينيَّة إلى بلادِ الخزر وبَحرِ الهِندِ عَرضًا، وكأن قد قُدِّرَ لِمالِكِه مُلْكُ الدنيا. وكان من أَحسنِ المُلوكِ سِيرَةً حتى كان يُلَقَّب بالسُّلطانِ العادِل، وكان مَنصورًا في الحُروبِ، ومُغرَمًا بالعَمائِرِ، حَفَرَ كَثيرًا من الأَنهارِ، وعَمَّرَ على كَثيرٍ من البُلدانِ الأَسوارَ، وأَنشأَ في المَفاوِزِ رِباطاتٍ وقَناطِرَ، وهو الذي عَمَّرَ جامِعَ السُّلطانِ ببغداد ابتَدأَ بعِمارَتِه في المُحرَّم من سَنَةِ خمسٍ وثمانين وأربعمائة، وزادَ في دارِ السَّلطَنَةِ بها، وصَنَعَ بطَريقِ مكَّةَ مَصانِعَ، وغَرِمَ عليها أَموالًا كَثيرةً خارِجةً عن الحَصرِ، وأَبطلَ المُكوسَ والخَفاراتِ في جَميعِ البلادِ. وكان لَهِجًا بالصَّيْدِ، حتى قيل: إنه ضُبِطَ ما اصطادَهُ بِيَدِه فكان عشرة آلاف، وكانت السبيلُ في أيامِه ساكِنةً والمَخاوِفُ آمِنةً، تَسيرُ القَوافلُ مِن ما وَراءَ النهرِ إلى أَقصَى الشامِ وليس معها خَفيرٌ، ويُسافِر الواحِدُ والاثنانِ من غَيرِ خَوفٍ ولا رَهَبٍ. سارَ السُّلطانُ ملكشاه، بعدَ قَتلِ نِظامِ المُلْكِ، إلى بغداد، ودَخَلَها في الرابع والعشرين من شَهرِ رمضان، ولَقِيَهُ وَزيرُ الخَليفةِ عَميدُ الدولةِ ابنُ جَهيرٍ، وكان السُّلطانُ قد أَمَرَ أن تُفصَّل خِلَعُ الوِزارَةِ لتاجِ المُلْكِ، وكان هو الذي سَعَى بنِظامِ المُلْكِ، فلمَّا فَرَغَ من الخِلَعِ، ولم يَبقَ غيرُ لُبْسِها والجُلوسُ في الدستِ، اتَّفَقَ أن السُّلطانَ خَرجَ إلى الصَّيدِ، وعادَ ثالثَ شَوَّال مَريضًا، وكان سَبَبُ مَرَضِه أنه أَكَلَ لَحمَ صَيْدٍ فَحُمَّ وافتُصِدَ، ولم يَستَوفِ إخراجَ الدَّمِ، فثَقُلَ مَرضُه، وكانت حُمَّى مُحرِقَةً، فتُوفِّي ليلةَ الجُمعةِ، النصفَ من شَوَّال، ولمَّا ثَقُلَ نَقَلَ أَربابُ دَولتِه أَموالَهم إلى حَريمِ دارِ الخِلافَةِ، ولمَّا تُوفِّي سَتَرَت زَوجتُه تركان خاتون المعروفة بخاتون الجلالية مَوْتَه وكَتَمَتهُ، وأَرسَلَت إلى الأُمراءِ سِرًّا فأَرضَتهُم، واستَحلَفَتهُم لِوَلَدِها محمود، وعُمرُه أربع سنين وشهور، وبِمَوتِ السُّلطان ملكشاه انقَضَى العصر عَصرُ القُوَّةِ للسُّلطَةِ السلجوقية وبَدأَ عَهدُ الانقِساماتِ السياسيَّة والحُروبِ بين وَرَثَةِ العَرشِ السلجوقي ممَّا أَدَّى إلى تَشتيتِ صُفوفِهم وإضعافِ سُلطَتِهم.