الموسوعة الحديثية


- من سحب ثيابَه لم ينظرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ فقال أبو ريحانةَ لقد أمرَضَنا ما حدَّثْتنا إني أحبُّ الجمالَ حتى أجعلَه في نعلِي وعَلاقةِ سَوطي أفمنَ الكِبرَ ذلك؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجَمالَ ويحبُّ أن يرى أثرَ نعمتِه على عبدِه لكنِ الكبرُ مَن سفَّه الحقَّ وغمصَ الناسَ أعمالَهم
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 4/167 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4668)، والدارقطني في ((الأفراد)) كما في ((أطراف الغرائب والأفراد)) لابن طاهر المقدسي (3/489)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (43/84) باختلاف يسير
الكِبرُ والتكبُّرُ والتعاظُمُ على النَّاسِ مِن الصِّفاتِ التي تدُلُّ على فَسادِ القُلوبِ، وفي هذا الحديثِ يُوضِّحُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُوءَ عاقِبةِ الكِبرِ، ويُصوِّبُ بعضَ المفاهيمِ عندَ الناسِ المتعلِّقةِ بحُسنِ الهَيئةِ، فيقولُ: "مَن سَحَبَ ثيابَه"، أي: جرَّها بسَبَبِ طولِها وامتدادِها على الأرضِ، "لم يَنظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامَةِ"، أي: كان جزاؤُه يومَ القيامَةِ ألَّا ينظُرَ اللهُ إليه نَظرةَ رَحمةٍ فيَرحَمَه، "فقال أبو رَيحانةَ: لقد أمْرَضَنا ما حدَّثْتَنا"، بمعنى: أتْعَبَنا وشدَّد علينا مِثلُ هذا الحَديثِ، "إنِّي أُحِبُّ الجَمالَ حتى أَجعَلَه في نَعْلي" وهو الحِذاءُ الذي يُلبَسُ في القَدَمِ، والمُرادُ: أنَّه يُحِبُّ أن يَستَحسِنَ الثِّيابَ، وأنْ تكونَ جَميلةً نظيفةً حتى أنَّه يَهتَمُّ بجَمالِ حِذائِه، "وعَلاقَةِ سَوْطي" وهو الشَّريطُ الذي يُعلَّقُ به السَّوطُ، "أفَمِنَ الكِبرِ ذلك؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللهَ جَميلٌ"، أي: إنَّ اللهَ سُبحانَه جَميلُ الذَّاتِ والأفعالِ، وله صِفاتُ الجَمالِ والكَمالِ، "يُحِبُّ الجَمالَ"، أي: ويُحِبُّ من عبادِه الاتِّصافَ بالتَّجمُّلِ، "ويُحِبُّ أنْ يَرى أثَرَ نِعمَتِه على عَبدِه"، أي: يُحِبُّ أنْ يُظهِرَ العبْدُ فضلَ اللهِ عليه بما رَزَقَه من مالٍ أو جاهٍ؛ بأنْ يَلبَسَ ثِيابًا تليقُ بحالِه؛ من النَّفاسةِ والنَّظافةِ، مع مُراعاةِ القَصدِ وتَركِ الإسرافِ، وهذا من بابِ شُكرِه على نِعَمِه، والاستِعانةِ بها على طاعتِه، واتِّخاذِها طريقًا إلى جنَّتِه، وهذا أفضلُ من الزُّهدِ فيها، والتَّخلِّي عنها، ومُجانبةِ أسبابِها؛ فأمَّا إنْ شَغَلَتْه عنِ اللهِ تَعالى، فالزُّهدُ فيها أفضَلُ، وإنْ لم تَشْغَلْه وكان شاكِرًا للهِ فيها، فحالُه أفضَلُ، ويَزهَدُ بتَركِ تَعلُّقِ قَلْبِه بها والطُّمَأنينةِ إليها، "لكِنَّ الكِبرَ مَن سَفِهَ الحَقَّ" بمعنى أنْ يَرى الحَقَّ سَفَهًا باطِلًا، فلا يَقبَلُه، ويتعاظَمُ عنه، ويَستَخِفُّ به، ولا يَراهُ على ما هو عليه مِنَ الرُّجْحانِ والرَّزانَةِ، "وغَمَصَ الناسَ أعمالَهم"، وفي الرِّواياتِ: "غَمَطَ" وهو احتِقارُ الناسِ، وهو ما يأتي في النَّفْسِ مِن عُجْبٍ وتَعالٍ على خلْقِ اللهِ.
وفي الحديثِ: اتِّخاذُ نِعمةِ اللهِ طريقًا إلى شُكْرِه بإظهارِها.
وفيه: بَيانُ سَعةِ الإسلامِ وتَيسيرِه على النَّاسِ في المُباحاتِ، دونَ إفراطٍ مُخِلٍّ بالمالِ، أو النَّفسِ، أو الدُّنيا والآخِرَةِ .