الموسوعة الحديثية


- أنَّ زوجَ بريرةَ كان عبدًا أسودَ يُسمَّى مُغيثًا قال : فكنتُ أراه يتبعُها في سِكَكِ المدينةِ يعصرُ عينيه عليها قال : وقضى فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أربعَ قضيَّاتٍ أنَّ مواليَها اشترطوا الولاءَ فقضى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الولاءُ لمَنْ أعتق وخيَّرها فاختارتْ نفسهَا فأمرَها أنْ تعتدَّ قال : وتُصُدِّق عليها بصدقةٍ فأهدتْ منها إلى عائشةَ رضي الله عنها فذكرَتْ ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : هو عليها صدقةٌ وإلينا هديةٌ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم : 4/185 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (5280، 5281) مفرقاً مختصراً بنحوه، وأبو داود (2232) مختصراً باختلاف يسير
حَثَّ الشَّرعُ المُطهَّرُ على عِتقِ المَماليكِ، ونظَّمَ أُمورَ العِتقِ، وما يَتبَعُه مِن عَلاقاتِ وَلاءٍ وميراثٍ، تَنشَأُ بينَ المُعتِقِ والعَتيقِ الَّذي حُرِّرَ، ونَهى عن الشُّروطِ التي تَشتمِلُ على الجَورِ والظُّلمِ لأحدِ الأطرافِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: "أنَّ زَوجَ بَريرةَ"، وكانتْ مَولاةً لعائشةَ، فأعتَقَتْها، "كان عبدًا أسوَدَ يُسمَّى مُغيثًا"، والمُرادُ: أنَّ زَوجَها كان عبدًا حينَ أُعتِقَتْ، قال ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: "فكنتُ أَراه يَتبَعُها في سِكَكِ المَدينةِ"، أي: طُرُقِها، "يَعصِرُ عَينَيه عليها"، مِن شِدَّةِ بُكائِه، وهذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ حُزنِه على مُفارَقتِها له، قال ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: "وقَضى فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربعَ قَضيَّاتٍ"، أي: أربعةَ أحكامٍ، والمعنى أنَّها شُرِعَ بسَببِها أربعةُ أحكامٍ شَرعيَّةٍ، انتفَعَ بها النَّاسُ، الأول: "أنَّ مَواليَها اشترَطوا الوَلاءَ"، وهو تَناصُرٌ يوجِبُ الإرْثَ بينَ العبدِ وسيِّدِه إذا أعتَقَه، وكانتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أرادَتْ شِراءَها وعِتقَها، فاشترَطَ مالكوها أنْ يَستمِرَّ لهم الوَلاءُ، "فقَضى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الوَلاءُ لمَن أعتَقَ"، أي: مَن أعتَقَ عبدًا أو أَمَةً، فإنَّ وَلاءَه -أي: إرْثَه- له، فمَن دفَعَ المالَ؛ وخلَّصَ رَقبةَ المَملوكِ مِن الرِّقِّ؛ فهو أحَقُّ أنْ يرِثَه إذا مات وترَكَ مالًا بعدَ أنْ أصبَحَ حُرًّا، ولم يَترُكْ وارثًا، وليس له ذُرِّيَّةٌ أو أقارِبُ أحرارٌ يَرِثونَه؛ وذلك لأنَّ الحرِّيَّةَ تُعَدُّ مِن أعظمِ النِّعمِ؛ فالمعتِقُ تَفضَّلَ بأنْ أعتَقَ العبدَ الذي اشتَراه، فيكونُ له الوَلاءُ؛ لأنَّه مُختَصٌّ بالإنعامِ عليه، فلا يكونُ لأحدٍ بعده، والثَّاني: "وخيَّرَها؛ فاختارَتْ نفْسَها"، أي: خيَّرَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في البَقاءِ عندَ زَوجِها مُغِيثٍ، أو فِراقِه وفَسخِ نِكاحِه؛ لأنَّها صارتْ حُرَّةً؛ فاختارَتْ فِراقَه، والثَّالثُ: "فأمَرَها أنْ تَعتَدَّ"، عِدَّةَ الحُرِّةِ بثَلاثِ حِيَضٍ؛ لأنَّها أُعتِقَتْ، وصارتْ حُرَّةً، والرَّابعُ: "وتُصُدِّقَ عليها بصَدقةٍ"، أي: جاءتْ لها صَدقةٌ، وهي ما زالتْ مَولاةً عندَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، وكانتْ طَعامًا ولَحمًا، "فأهدَتْ منها إلى عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، فذكَرَتْ ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: هو عليها صَدقةٌ، وإلينا هَديَّةٌ"، أي: هي ملَكَتْه بسَببِ التَّصدُّقِ به عليها، ونحن نَملِكُه بسَببِ إهدائِها لنا منه، وعليه؛ فقد اختلَفَ سَببُ المِلكِ؛ فاختلَفَ الحُكمُ، وجاز لنا أكلُه، ومِن المَشهورِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وآلَ بَيتِه لا يَأكُلونَ الصَّدقةَ .