الموسوعة الحديثية


- لا تَنْتَبِذُوا في الدُّبَّاءِ ولَا الْمُزَفَّتِ ولا النَّقِيرِ ، وكلُّ مسكِرٍ حرامٌ
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 7462 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
لَمَّا كانتِ المُسْكراتُ تُذهِبُ العقلَ الَّذي هو مَناطُ تكليفِ بني آدَمَ، كانت حُرمةُ المُسْكراتِ مِن أشدِّ الحُرماتِ الَّتي حذَّرَ منها الإسلامُ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تَنْتبِذوا" وهذا نهيٌ عن الانتباذِ؛ وهو: نقعُ الزَّبيبِ أو التَّمرِ في الماءِ حتَّى يتحلَّلَ ويحلُوَ الماءُ ويُشْرَبَ، "في الدُّبَّاءِ" وهو نباتُ القَرْعِ، وكانوا يَحفِرونه ويَستَخدِمونه سِقاءً، ويَحتَفِظون فيه ببعضِ الأشربةِ، فتَشتدُّ وتُصبِحُ خَمرًا، "ولا المُزَفَّتِ" وهو ما طُلِيَ بالقَارِ مِن الآنيةِ، ويقالُ له: المُقَيَّرُ، وهو نبْتٌ يُحرَقُ إذا يَبِسَ، تُطْلَى به السُّفنُ وغيرُها، كما تُطلَى بالزِّفتِ، "ولا النَّقِيرِ" وهو ما يُنقَرُ في أصلِ النَّخلةِ، فيُستَخْدَمُ وِعاءً، ومعنى النَّهيِ عن الانتباذِ في هذه الأوعيةِ بخصوصِها؛ لأنَّه يُسرِعُ إليها الإسكارُ، فربَّما شَرِبَ منها مَن لم يَشعُرْ بذلك، وهذا النَّهيُ عن الأوعيةِ المذكورةِ مِن بابِ سَدِّ الذرائعِ؛ إذ الشرابُ يُسرِعُ إليه الإسكارُ فيها وقيل: النهيُ عنها لصَلابتِها، وأنَّ الشرابَ يُسكِرُ فيها، بخِلافِ الظروفِ غيرِ المزفَّتةِ، فإنَّ الشرابَ متَى غلا فيها وأسْكَر: انشقَّتْ، فيُعلم بأنه مُسكِرٌ. وقدْ فطَمَهم عن المُسكِرِ، وأوعيتِه، وسَدَّ الذَّريعةَ إليه؛ إذ كانوا حَديثي عَهْدٍ بشُربِه، فلمَّا استقرَّ تحريمُه عِندَهم، واطمأنَّتْ إليه نفوسُهم: أباح لهم الأوعيةَ كلَّها، غير أنْ لا يَشرَبوا مُسكِرًا.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وكلُّ مُسكرٍ حرامٌ" إشارةً إلى أنَّ المحرَّمَ هو شربٌ أيِّ مُسكِرٍ يُذهِبُ بالعقلِ؛ وذلك أنَّ التَّحريمَ في أوَّلِ الأمرِ كان في أنواعٍ بعينِها يُتَّخَذُ منها الخمرُ، ثمَّ شمِلَ التَّحريمُ كلَّ ما يُسكِرُ، وقد نسَخَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا الحكمَ بالانتباذِ في كلِّ وعاءٍ؛ كما ورَد في صَحيحِ مسلمٍ: "كنتُ نَهيتُكم عن الانتباذِ إلَّا في الأسقيةِ، فانتبِذوا في كلِّ وعاءٍ، ولا تَشرَبوا مُسكِرًا".
وفي الحديثِ: الإرشادُ إلى التَّحرُّزِ مِن كلِّ ما أسكَرَ .