لَمَّا كانتِ الصَّلاةُ مِن أفضَلِ الأعمالِ، كانَ للمَشْيِ لها فضلٌ عظيمٌ، ويَعظُمُ هذا الفضلُ إذا كانَ المَشْيُ في طهارةٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه: "مَن توضَّأَ فأحسَنَ الوُضوءَ"، أي: يُسبِغُ وُضوءَه، ويُعْطي كلَّ عضوٍ حقَّه من الماءِ، "ثم خَرَجَ عامِدًا إلى الصَّلاةِ"، أي: قاصِدًا لها دون غيرِها، "فإنَّه في صَلاةٍ ما كان يَعمِدُ إلى الصَّلاةِ"، يعني: يُكتَبُ له أجْرٌ كأنَّه داخِلَ الصَّلاةِ، فعليه أنْ يترُكَ العَبَثَ، وما يُنافي كونَه في صَلاةٍ، "وإنَّه يُكتَبُ له بإحدى خُطوتيْهِ"، مُثنَّى خُطوةٍ -بالضَّمِّ- وهي ما بَينَ القَدَمينِ، أو خَطْوةٍ -بالفَتْحِ- واحدُ الخَطْوِ، وهو رفعُ القَدَمِ للسَّيرِ، "حَسَنةٌ"، يعني: هذه الخُطوةُ يُكتَبُ له بها أجرٌ وثوابٌ؛ فتُرفَعُ منزلتُهُ العاليَةُ في الجنَّةِ، "ويُمحى عنه بالأخرى سيِّئةٌ"، أي: تَمحو ذنبًا، وتَغفِرُ إثمًا، وتُكفِّرُ خَطيئةً، "فإذا سَمِعَ أحدُكُم الإقامَةَ"، أي: وهو في طَريقِه إلى المسجِدِ، "فلا يَسْعَ"، أي: لا يُسارِعُ المشيَ ويُهَرْوِلُ؛ لأنَّه يخرُجُ عن الوَقارِ المشروعِ في إتيانِ الصَّلاةِ، ثم قال أبو هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فإنَّ أعظَمَكم أجرًا أبعَدُكم دارًا"، من المسجِدِ، "قالوا: لِمَ يا أبا هُرَيرَةَ؟"، أي: لأيِّ شَيءٍ كان بُعدُ الدَّارِ أعظَمَ أجرًا، "قال: من أجْلِ كثرَةِ الخُطى"، وهذا الفضلُ بالنِّسبَةِ إلى مَن يتحمَّلُ المشقَّةَ، ويتكلَّفُ المسافَةَ لإدراكِ الفضْلِ.
وفي روايةِ ابنِ حِبَّانَ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مِن حينِ يخرُجُ أحدُكُم من منزِلِه إلى مسجِدي"، يعني: مسجِدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمدينَةِ المُنوَّرةِ، "فرِجْلٌ تَكتُبُ له حَسَنةً، ورِجْلٌ تَحُطُّ عنه سيِّئةً، حتى يَرجِعَ"، إلى دارِه.
وفي روايةِ ابنِ خُزَيمةَ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إذا توضَّأَ أحدُكُم في بيتِه"، يعني: مَحَلِّ إقامتِه، "ثم أتى المسجِدَ كان في صَلاةٍ"، أي: حُكمُه حُكمُ مَن هو في صَلاةٍ من جِهةِ كونِه مأمورًا بتَركِ العَبَثِ، وتَحرِّي الخُشوعِ، ويستمِرُّ هذا "حتى يَرجِعَ"، إلى مَحَلِّه، "فلا يَقُلْ هكذا، وشبَّك بين أصابِعِه"، أي: أدخَلَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعضَ أصابِعِ يديْهِ ببعضٍ؛ لأنَّ تَشبيكَ الأصابِعِ مَنهيٌّ عنه في الصَّلاةِ.
وفيه: بيانُ عِظَمِ قَدْرِ الصَّلاةِ والحثُّ على أدائِها في المساجِدِ والجماعاتِ.
وفيه: بيانُ رِفعَةِ قَدْرِ مسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم( ).