الموسوعة الحديثية


- إنَّ اللهَ وعدني أن يدخلَ الجنةَ من أمتي سبعين ألفًا بغيرِ حسابٍ فقال يزيدُ بنُ الأخنسُ : واللهِ ما أولئك في أمَّتِك إلا كالذُّبابِ الأصهَبِ في الذُّباب فقال رسولُ اللهِ قد وعدَني سبعين ألفًا ، مع كلِّ ألفٍ سبعون ألفًا وزادني ثلاثَ حَثياتٍ قال : فما سعَةُ حَوضِك يا نبيَّ اللهِ ؟ قال : كما بين عَدَنٍ إلى عمانَ وأوسعُ ، وأوسعُ يُشيرُ بيدِه قال فيه مَثعبانٍ من ذهبٍ وفضةٍ قال : فما ماءُ حَوضِك يا نبيَّ اللهِ ؟ قال : أشدُّ بياضًا من اللَّبنِ ، وأحلى ( مَذاقُه ) من العسلِ ، أطيبُ رائحةً من المسكِ ، من شرب منه شربةً لم يظمأْ بعدها أبدًا ، ولم يُسوَّدْ وجهُه أبدًا
الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 3614 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
تَفَضَّلَ اللهُ تعالى على أُمَّةِ الإسلامِ بفَضائلَ كثيرةٍ، ومِن ذلك كَثرةُ مَن يَدخُل الجنَّةَ مِن هذه الأُمَّةِ بغيرِ حِسابٍ، ومَن يَشْرَبُ من حَوْضِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
كما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الحديثِ: "إنَّ اللهَ وَعَدَني"، أي: أَعْطاني وَعْدًا وهو لا يُخْلِفُ وعْدَهُ سُبحانَه "أنْ يُدخِلَ الجنَّةَ مِن أُمَّتي سَبْعينَ أَلْفًا بغيرِ حِسابٍ"، وهُم الذين جاء وصْفُهُم في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما في الصَّحيحينِ، وفيه: "هم الَّذين لا يَستَرْقونَ، ولا يَتطيَّرونَ، وعلى ربِّهم يَتوكَّلونَ".
فقال يَزيدُ بنُ الأَخْنَسِ رضِي اللهُ عنه: "واللهِ ما أولئكَ في أُمَّتِك إلَّا كالذُّبابِ الأَصْهَبِ في الذُّبابِ"، أي: هم عَدَدٌ قَليلٌ مِثْلُ الذُّبابِ الأَصْهَبِ، وهو الأَحْمَرُ الذي يَعْلوهُ سَوادٌ، وهو في جِنْسِ الذُّبابِ قَلِيلٌ، "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ ربِّي عَزَّ وجَلَّ قد وَعَدني سَبْعينَ أَلْفًا، مع كلِّ ألفٍ سَبْعون أَلْفًا"؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَزادَ ربَّه كما في الحديثِ: "فاسْتَزَدْتُ رَبِّي فَزادَني مع كُلِّ واحدٍ سَبْعين أَلْفًا"، ثم قال "وزادَني ثَلاثَ حَثَياتٍ"، أي: ثلاثَ غَرفاتٍ بيَدِ الرَّحمنِ سُبحانَه -ليس كمِثْلِهِ شيْءٌ-، وإنَّما عبَّرَ بالحَثَياتِ؛ لأنَّ مِن شأْنِ المُعطي إذا اسْتُزِيدَ أنْ يَحْثِيَ بكفَّيْه مِن غيرِ حِسابٍ، وهذه الحَثَياتُ لا يَعْلَمُ مِقْدارَها إلَّا اللهُ سُبحانَه. قال يَزيدُ بن الأَخْنَسِ: فما سَعةُ حَوْضِكَ يا نَبِيَّ اللهِ؟" والحَوْضُ هو الشَّيءُ أو المكانُ الذي يُجْمَعُ فيه الماءُ، وهذا الحَوْضُ أعْطاهُ اللهُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الآخرةِ الذي يَسْقي فيه الوارِدين عليه من المُؤْمِنين، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبَيِّنًا سَعَة هذا الحَوْضِ: "كما بيْن عدَنَ" وهي مَدينةٌ باليَمَنِ، "إلى عَمَّانَ" وهي قريةٌ بالشَّامِ، "وأوسَعُ وأوسَعُ -يُشِيرُ بيَدِه-"، أي: يُشِيرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيدَيْهِ إلى أنَّ حَوْضَه أوسَعُ مِن ذلك وأكبَرُ، والمقصودُ تصويرُ سَعةِ طُولِهِ وعَرْضِهِ، فلا يتعيَّنُ قَدْرُهُ ومِساحَتُه؛ فهو يتَّسِعُ لكلِّ الحاضِرين دُونَ زِحامٍ، وفي حديثِ أَنَسٍ: "كما بين أَيْلَةَ وصَنْعاءَ من اليَمَنِ"، وفي حديثِ ابْنِ عُمَرَ: "كما بين جَرْبا وأَذْرُحَ"، وفي حديثِ حارِثَةَ بن وَهْبٍ: "كما بين صَنْعاءَ والمدينةِ"، وبين هذه المقاديرِ تَفاوُتٌ واخْتِلافٌ، وقد أخبر بها نبيُّ اللهِ على طريقِ التَّقْريبِ لا على التَّحْديدِ؛ نظرًا لاخْتِلافِ أحْوالِ السامِعين في الإحاطَةِ بها عِلْمًا؛ لتقعَ المعرفةُ عند كُلِّ أحدٍ على حَسَبِ ما عندَه من المعرفةِ ببُعدِ ما بين هذينِ الموضعينِ، ولو أرادَ التَّحْديدَ لاقْتَصَرَ أنْ يأتيَ في بيانِهِ بذِكْرِ مَوْضِعٍ لا يُعلمُ لأحدٍ؛ فلم يَكَدْ يتحقَّق عندَ السامِعِ مقدارُه.
"فيه مَثْعَبانِ مِن ذهَبٍ وفِضَّةٍ"، والمَثْعَبُ: هو مَسيلُ الوادي، والمعنى: أنَّ فيه قَناتَيْنِ للماءِ يَأْتِيانِه من الجَنَّةِ؛ أحدُهُما من ذَهَبٍ، والآخَرُ من فِضَّةٍ يَملأانِه، كما في روايةِ مُسلِمٍ: "فيه ميزابانِ يَمُدَّانِه من الجَنَّةِ"، قال يَزيدُ بن الأَخْنَسِ رضِي اللهُ عنه: "فما ماءُ حَوْضِكَ يا نَبيَّ اللهِ؟"، أي: فما صِفَتُه وبما يُشْبِهُ ماءُ هذا الحوضِ وما مَذاقُهُ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أشدُّ بَياضًا من اللَّبَنِ وأحْلى مَذاقَةً من العَسَلِ"، أي: هو ماءٌ صافٍ نقيٌّ لا كَدَرَ فيه، وطَعْمُه أطْيَبُ من طَعْمِ العَسَلِ، "أَطْيَبُ رائِحَةً من المِسْكِ"؛ فجَمَعَ بين أحْسَنِ الألْوانِ وأَلَذِّ الأَطْعِمَةِ وأَحْسَنِ الرَّوائِحِ، وهذا لتَقْريبِ المعنى مع أنَّ مُسَمَّياتِ الآخِرَةِ ليستْ كمُسَمَّياتِ الدُّنيا "مَنْ شَرِبَ منه شَرْبَةً لم يَظْمَأْ بعدَها أبدًا"، أي: لا يَشْعُرُ بالعَطَشِ أبدًا؛ لأنَّ الشُّرْبَ منه عَلامةٌ للمَغْفِرَةِ، والمغفورُ لا يَلْحَقُهُ ضررُ ظمأٍ ولا غيرُهُ، بل إنَّ هذا الماءَ يُؤَثِّرُ في وجْهِ صاحِبِهِ نُضْرَةً وجمالًا، فلا "يَسْوَدُّ وجْهُهُ أبدًا".
وفي الحديثِ: بَيانُ فضْلِ اللهِ على هذه الأُمَّةِ، مع بَيانِ كرَمِهِ ورَحمتِهِ سُبحانَهُ.
وفيه: إثباتُ الحَوْضِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بَيانُ مكانةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ اللهِ تعالى( ).