الموسوعة الحديثية


- أعظمُ الناسِ فِريةً اثنانِ : شاعرٌ يهجو القبيلةَ بأسرِها ، و رجلٌ انتفى من أبيه
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 1066 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه ابن ماجه (3761)، وابن حبان (5785) واللفظ له
أمَر الشَّرعُ المُطهَّرُ بحِفظِ اللِّسانِ، وصِيانةِ الأعراضِ، وأمَرَ المُسلِمَ بعَدَمِ مُقابَلةِ السَّيِّئةِ بالسَّيِّئةِ، وعَدَمِ التَّعدِّي بالقَولِ والفُحشِ على أحَدٍ.
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لبعضِ هذه المعاني؛ حيثُ تقولُ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أعظَمُ النَّاسِ فِرْيةً"، أي: أكبَرُهم إثْمًا وأعظَمُهم وُقوعًا في الظُّلمِ والكَذِبِ، "اثنانِ: شاعِرٌ يَهْجو القَبيلةَ بأَسْرها"، أي: يَسُبُّ بشِعْرِه قَبيلةً كاملةً بسَبَبِ وَاحِدٍ منهم غيرِ مُستَقيمٍ، أو أنَّ المُرادَ أنَّ القَبيلةَ لا تَخلو من عبدٍ صَالحٍ لا يَستَحِقُّ الهِجاءَ، فظَهَرَ أنَّ هاجيَ الكُلِّ قد تَورَّطَ في الكَذِبِ على التَّحْقيقِ؛ فلذلِك قال: أعظَمُ فِرْيةً، إذْ يَحرُمُ هَجوُ المُسلِمِ ولو تَعريضًا وكَذِبًا وصِدقًا؛ ولأنَّه شَتمُ مَن لا ذَنْبَ له، وسَبُّ مَن لا يَعرِفُه، وهَتْكُ الأعْراضِ المَصونةِ؛ ولأنَّ الشَّتمَ بالشِّعْرِ يَستَحليهِ اللِّسانُ، ويَتَناقَلُه النَّاسُ ويَبْقي على مَرِّ الأزْمانِ، وقد كان العَرَبُ مَشهورينَ بأنْواعٍ من الشِّعْرِ الفاحِشِ، ومنها الِهجاءُ، وهو ممَّا يُكرَهُ من الشِّعْرِ، فكان في هذا الحديثِ تَربيةٌ للمُسلِمينَ على تَرْكِ أمْثالِ هذا الكَلامِ، ولا يُحتَجُّ بما فَعَلَه حسَّانُ بنُ ثابتٍ، وكعْبُ بنُ مالكٍ من هِجاءِ المُشرِكينَ؛ لأنَّهما فَعَلَا ذلك لمَصْلَحةٍ أقَرَّها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للدِّفاعِ عنِ الإسْلامِ، والذَّبِّ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ولأنَّ العَرَبَ كانت تَتأثَّرُ بالكَلامِ والشِّعْرِ مِثلَ التَّأثُّرِ بالحَرْبِ والقِتالِ والنِّبالِ والسِّهامِ، فإنَّ هِجاءَهم حَرْبٌ نفسيَّةٌ للمُشرِكينَ.
"ورَجُلٌ انْتَفى من أَبيه"، بأنْ قال: لستَ ابنَ فُلانٍ؛ وذلك كَبيرةٌ، أو نَسَبَ نَفْسَه إلى غَيرِ أبيه؛ وذلك لأنَّه كَذِبَ أوَّلًا ثُمَّ تَرتَّبَ عليه قَبائِحُ عَديدةٌ لا تَنحَصِرُ من خَلْطِ النَّسَبِ، وعُقوقِ الأبِ، وقَطيعةِ الرَّحِمِ، وهذا من الظُّلْمِ والافتِراِء والكَذِبِ على الوالِدَينِ؛ لأنَّ الولَدَ للفِراشِ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من الكَذِبِ بكُلِّ أشْكالِه.
وفيه: التَّحذيرُ والنَّهيُ عن الخَوضِ في الأعْراضِ والانتِفاءِ من نَسَبِ الوالِدَينِ .