في هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمورًا كانتْ وَلا تزالُ عالقةً ببَعضِ النَّاسِ يَأتونَ بِها، وهيَ مِن أُمورِ أهلِ الجاهليَّةِ، ويُحذِّرُ مِنها، ويُبيِّنُ أنَّ مَن أَتى واحِدَةً مِنها فقد أَتى بإحْدَى الصِّفاتِ الجاهليَّةِ، ولا بدَّ لَه مِن تَركِها إلى ما شَرَعَه الإِسلامُ فيها وفي أَمثالِها، فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: " ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ"، أي: ثَلاثُ خِصالٍ، هي مِن أُمورِ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ وخِصالِهمُ المُعتادَةِ، "لا يَتْرُكُهُنَّ أهْلُ الإسْلامِ" يَعني: أنَّ هذِه الخِصالَ تَدومُ في الأُمَّةِ لا يَتْرُكونَهنَّ كَتَرْكِهم لغيرِها مِن سُننِ الجاهليَّةِ، فإنْ تَرَكَتْها طائِفَةٌ تمسَّك بها آخَرون، وأَوَّلُ هذِه الأُمورِ: "شَقُّ الجَيْبِ" وهو ما يُفتَحُ مِن الثَّوبِ؛ ليَدْخُلَ فيه الرَّأسُ، وشقُّهُ تقطيعُهُ عندَ شِدَّةِ الجَزَعِ ونُزولِ المَصائِبِ، وفي هذا اعْتِراضٌ على القَدَرِ وعَدَمُ الرِّضا به.
والأمْرُ الثاني: "والنِّياحَةُ" وهيَ البُكاءُ عَلى الميِّتِ بصِياحٍ وَعَويلٍ وَجَزَعٍ، وعَدُّ شَمائِلِ الميِّتِ ومَحاسنِه؛ مِثلَ: واشُجاعاهُ، واأَسدَاهُ، واجَبَلاهُ!
والأمْرُ الثالِثُ: "والطَّعْنُ في النَّسَبِ"، أي: إدْخالُ العَيْبِ في أَنْسابِ النَّاسِ؛ وذلك يَستلزِمُ تَحقيرَ الرُّجُلِ آباءَ غيرِه، وتَفضيلَ آبائِه عَلى آباءِ غيرِه، وهيَ دَعْوَى مُنْتِنَةٌ؛ لِمَا فيها مِن شَقِّ الصَّفِّ المُسلمِ؛ ولِما تُثيرُه مِن فِتَنٍ وشُرورٍ.
وفي الحديث: التَّحْذيرُ منَ الطَّعْنِ في أَنْسابِ الناسِ، والنِّياحةِ عَلى الأَمواتِ.
وفيه: الدَّعْوةُ إلى حِفْظِ أَعْراضِ النَّاسِ وعَدَمُ الخَوْضِ فيها.
وفيه: بيانُ أنَّ قَدْرَ الإنسانِ يَكونُ بقَدْرِ شَخْصِه وأَفْعالِه، وليس بما فَعَلَه آباؤُه .