الموسوعة الحديثية


- مهلًا يا عائشةُ ! إنَّ اللهَ يحبُّ الرفقَ في الأمرِ كلِّهِ فقُلْتُ : يا رسولَ اللهِ ! أَوَلمْ تَسْمَعْ ما قالوا ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : وقد قُلْتُ : وعليكُمْ
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الأدب المفرد | الصفحة أو الرقم : 359 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (462) واللفظ له، وأخرجه في ((الصحيح)) (6256)، ومسلم (2165) باختلاف يسير
الرِّفقُ بالناسِ، واللِّينُ معهم، مِن جَواهِرِ عُقودِ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ، وهي مِن صِفاتِ الكَمالِ، واللهُ سُبحانَه وتَعالى رَفيقٌ، يُحِبُّ مِن عِبادِهِ الرِّفقَ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أُمُّ المُؤمِنينَ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها -كما جاء في روايةِ الصَّحيح- أنَّه: "دَخَلَ رَهْطٌ من اليهودِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، والرَّهطُ: المجموعةُ من الرِّجالِ يبلُغُ عددُها ما يُقارِبُ العَشَرةَ، "فقالوا: السامُ عليكم"، أي: يُوهِمون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن معه أنَّهم يُلقون عليهم تَحيَّةَ الإسلامِ، والحقيقةُ أنَّهم يَدْعون عليهم، والسامُ: الموتُ والهَلَكةُ، فقالتْ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: "ففَهِمتُها"، أي: فَطِنتُ لِما يقولُ اليهودُ، "فقُلتُ: وعليكم السامُ واللَّعنةُ"، أي: رَدَّتْ عائِشَةُ بمثلِ لَفظِهم وكلامِهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَهلًا يا عائِشَةُ"، أي: تمهَّلي واصْبِري وتَرفَّقي في الأمْرِ، "إنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمْرِ كُلِّه"، أي: يُحِبُّ أنْ يتَّصِفَ عبدُه بلِينِ الجانبِ والأَخذِ بالسَّهلِ؛ فلا يكونُ فَظًّا ولا غليظًا، فالرِّفقُ تتأتَّى به الأغراضُ وتسهُلُ به المقاصِدُ، ما لا تتأتَّى وتسهُلُ بغيرِه، "فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَوَلَمْ تسمَعْ ما قالوا؟"، أي: تُنبِّهُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقَولِهِم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وقد قُلتُ: وعليكم"، أي: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد فَطِنَ لقَولِهم، وكان معنى جوابِه: وعليكَم مِثْلُ ما قُلتُم من الدُّعاءِ، والفَرقُ بين رَدِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَدِّ عائِشَةَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَزاهم على قَدْرِ فَعلَتِهم دُون أنْ يفحُشَ في القَولِ، وأمَّا عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها فقد زادتْ في المعنى، وتعَدَّتْ وجَعَلتْ الغِلظَةَ هي السَّبيلَ في الرَّدِّ، وفي روايةٍ للبُخاريِّ: "فيُستجابُ لي فيهم، ولا يُستجابُ لهم فيَّ"؛ فأوضَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الله لا يَستجيبُ لهم في المُسلِمينَ إذا دعا اليهود عليهم، وأنَّه يَستجيبُ للمُسلِمينَ فيهم إذا دَعَوْا على اليهودِ.
وفي الحديثِ: بيانُ تحايُلِ اليهودِ وتَغييرِهم في الكَلامِ بما يُوهِمُ المعنى المقصودَ وعكْسَه.
وفيه: مُجازاةُ المُعتَدي بمِثلِ اعتدائِه في القَولِ أو الفِعلِ، ومُعاملَتُه بمِثلِ حيلَتِه( ).