الموسوعة الحديثية


- صلَّى رسُولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم- الفجر، ثم أقبَل على القَوم، فقال: اللهمَّ بارك لنا في مدينَتِنا وبارك لنا في مُدِّنَا وصاعِنا اللهمَّ بارك لنا في حَرَمِنا وبارك لنا في شامِنا فقال رجلٌ وفي العراقِ فسكت ثم أعاد قال الرجلُ وفي عراقِنا فسكت ثم قال اللهمَّ بارك لنا في مَدينَتِنا وبارك لنا في مُدِّنَا وصاعِنا اللهمَّ بارك لنا في شامِنا اللهمَّ اجعل مع البركةِ بركةً والذي نفسي بيدِه ما من المدينةِ شِعبٌ ولا نقبٌ الا وعليه ملَكَانِ يحرسانِها حتى تقدَّموا عليها
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : فضائل الشام ودمشق | الصفحة أو الرقم : 8 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (6302) مختصراً.
خصَّ اللهُ سُبْحانَهُ وتعالى بعضَ بِقاعِ الأرضِ بِبركاتٍ لم يَجعلْها في غيرِها؛ فَجَعلَ بعضَها مَوطِنَ الشُّرورِ والفِتنِ، وبعضَها مَوطِنَ الخيرِ والبركاتِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بن عُمَرَ رضِي اللهُ عنه: "صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الفَجْرَ، ثم أقْبَلَ على القَوْمِ"، أي: اتَّجَه إلى مَنْ كان يُصَلِّي معهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فقال: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في مَدينتِنا"، والمُرادُ بها: مَدينةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والبَركةُ هي الزِّيادةُ في الخَيْرِ، "وبارِكْ لنا في مُدِّنا وصاعِنا"، أي: بارِكْ في الطَّعامِ الَّذي يُكالُ بهما، ويَحتمِلُ أنَّ الدُّعاءَ كان بأنْ تَحصُلَ البركةُ في نفْسِ المكيلِ، بحيث يَكْفي المُدُّ فيها مَن لا يَكْفِيهِ في غيرِها، وصاعُ المدينةِ: هو كَيلٌ يَسَعُ أربعةَ أمدادٍ، والمُدُّ: رِطْلٌ وثُلُثٌ عندَ أهلِ الحِجازِ، ورِطلانِ في غيرِها، والمُدُّ يُساوي 506 جرامًا تقريبًا، والصاعُ 2026 جرامًا تقريبًا بالمقاديرِ الحديثةِ. ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في حَرَمِنا"، والمُرادُ به مَكَّةُ كما في باقي الرِّواياتِ، "وبارِكْ لنا في شامِنا"، وهي بِلادُ الشَّامِ شَمالَ الجزيرةِ العربيَّةِ، وتضُمُّ حاليًا سُوريَةَ والأُرْدُنَ وفِلَسْطِينَ ولُبْنانَ، وكانتْ مَصدَرَ تِجارَتِهم وأقواتِهم، "فقال رَجُلٌ: وفي العِراقِ"، أي: طَلَبَ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يدعوَ بالبَركةِ للعِراقِ، "فسَكَتَ"، أي: لم يَدْعُ لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "ثم أعادَ؛ قال الرَّجُلُ: وفي عِراقِنا. فسَكَتَ"، وفي رِوايةِ الصَّحيحِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "هناك الزَّلازِلُ والفِتنُ، وبها يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطانُ"! وهو ما ظهَرَ لاحقًا بالعِراقِ مِن الفِتَنِ العَظيمةِ، والحُروبِ الهائلةِ؛ كوَقْعةِ الجَمَلِ، وحُروبِ صِفِّينَ، وحَرُورَاءَ، وفِتَنِ بني أُميَّةَ، وخُرُوجِ الخوارجِ؛ فإنَّ ذلك كان أصلُهُ ومَنبعُهُ العِراقَ ومَشْرِقَ نَجْدٍ.
ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في مَدينتِنا، وبارِكْ لنا في مُدِّنا وصاعِنا، اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في شامِنا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مع البَركةِ بَركةً"، أي: يُضاعفُ الخيرُ بعدَ الخيرِ، والمُرادُ: مُطلقُ الزِّيادةِ، "والذي نفْسي بيَدِهِ"، أي: يُقْسِمُ باللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلك لأنَّ اللهَ هو الَّذي يَملِكُ الأنفُسَ، وكَثيرًا ما كان يُقسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا القَسَمِ، "ما من المدينةِ شِعْبٌ"، وهو الطَّريقُ الذي يكونُ في الجَبَلِ، "ولا نَقْبٌ"، وهو الطَّريقُ الذي يكونُ بين الجَبَلينِ، "إلَّا وعليه مَلَكانِ يَحْرُسانِها"، أي: يَحْفَظانِها بأمْرِ اللهِ تعالى، "حتى تَقْدَموا عليها"، أي: حتى تَرْجِعوا إليها.
وفي الحديثِ: بَيانُ فضْلِ المدينةِ ومَكَّةَ والشَّامِ ببَركةِ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لها.
وفيه: علامةٌ من عَلاماتِ النُّبوَّةِ، حيثُ ظهَرَ ما أخبَر به قبل وُقوعِه( ).