الموسوعة الحديثية


- وما تقول ؟ قلتُ : تقول أعاذَكُم اللهُ من فتنةِ الدجالِ ، ومن فتنةِ عذابِ القبرِ قالت عائشةُ : فقام رسولُ اللهِ فرفع يديْهِ مدًّا ، يستعيذُ باللهِ من فتنةِ الدجالِ ، ومن عذابِ القبرِ ثم قال : أما فتنةُ الدجالِ ، فإنه لم يكن نبيٌّ إلا ( قد ) حذَّرَ أُمَّتَه ، وسأُحدِّثُكم ( وه ) بحديثٍ لم يُحذِّرْه نبيٌّ أُمَّتَه : إنَّهُ أعورُ ، وإنَّ اللهَ ليس بأعورَ ، مكتوبٌ بين عينيه كافرٌ ، يقرؤُه كلُّ مؤمنٍ . فأما فتنةُ القبرِ فبي تُفتنونَ ، وعنِّي تُسألونَ ، فإذا كان الرجلُ الصالحُ أُجْلِسَ في قبرِه غيرَ فزعٍ ولا مشعوفٍ ، ثم يقال له : فيم كنتَ ؟ فيقول في الإسلامِ فيقال ماهذا الرجلُ الذي كان فيكم ؟ فيقول : محمدٌ رسولُ اللهِ ، جاءنا بالبيناتِ من عند اللهِ فصدَّقناهُ ، فيفرجُ له فُرجةً قِبَلَ النارِ ، فينظر إليها يُحطِّمُ بعضُها بعضًا ، فيقال له : انظر إلى ماوقاك اللهُ ، ثم يفرجُ له فُرجةً إلى الجنةِ ، فينظرُ إلى زهرتِها وما فيها ، فيقال له هذا مقعدُك منها ويقال على اليقينِ كنتَ وعليه مُتَّ ، وعليه تُبعثُ إن شاء اللهُ وإذا كان الرجلُ السوءُ ، أُجْلِسَ في قبرِه فزعًا مشعوفًا فيقال له : فيم كنتَ ؟ فيقول : سمعتُ الناسَ يقولون قولًا فقلتُ كما قالوا ، فيُفرجُ له فُرجةً إلى الجنةِ ، فينظرُ إلى زهرتِها ومافيها ، فيقال له انظر إلى ماصرف اللهُ عنك ثم يُفرجُ له فُرجةً قِبَلَ النارِ فينظرُ إليها يُحطِّمُ بعضُها بعضًا ويقال ( له ) هذا مقعدُك منها ، على الشكِّ كنتَ ، وعليه مُتَّ وعليه تُبعثُ إن شاء اللهُ ثم يُعذَّبُ
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 3557 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأحداثِ آخِرِ الزَّمان قبلَ قيامِ الساعَةِ، والفِتَنِ العظيمةِ التي ستَحدُثُ، فبَيَّن كيف يَفعَلُ مَن واجهَ هذه المِحَنَ وكيف يَحتمِي منها.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أُمُّ المُؤمِنينَ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها -كما جاء في رواية أحمد- أنَّه: "جاءَتْ يَهوديَّةٌ، فاستَطْعَمَتْ على بابي"، أي: تسأَلُها وتطلُبُ منها طعامًا، "فقالت: أطْعِموني، أعاذَكُم اللهُ من فِتنةِ الدَّجَّالِ، ومن فِتنةِ عَذابِ القَبرِ. قالت: فلم أَزَلْ أَحبِسُها"، أي: تعجَّبَتْ أُمُّ المُؤمِنينَ من هذا الدُّعاءِ، فمَنَعَتْها من المُغادرةِ والانصرافِ رَغبَةً في عَرضِ كلامِها على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "حتى جاءَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما تقولُ هذه اليهوديَّةُ؟ قال: وما تقولُ؟ قُلتُ: تقولُ: أعاذَكُم اللهُ من فِتنةِ الدَّجَّالِ، ومن فِتنةِ عذابِ القَبرِ"، وفتنةُ الدَّجَّالِ، أي: مِحنتُه، وأصلُ الفِتنةِ الامتحانُ والاختبارُ، والدَّجَّالُ من الدَّجَلِ، وهو التَّغطيَةُ، سُمِّيَ به؛ لأنَّه يُغَطِّي الحقَّ بباطِلِه، والمرادُ به المسيحُ الدَّجَّالُ، وسُمِّيَ بالمسيحِ الدَّجَّالِ؛ لأنَّ أحدَ عينيْهِ مَمسوحةٌ، وقيل: لأنَّه يمسَحُ الأرضَ، قالت عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: "فمَدَّ يديْهِ مدًّا"، أي: رَفَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يديْهِ للدُّعاءِ، "يَستعيذُ باللهِ من فِتنةِ الدَّجَّالِ، ومن عَذابِ القَبرِ"، والاستعاذةُ هي اللُّجوءُ والاعتصامُ، والمرادُ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استعاذَ باللهِ منهما تصديقًا لكلامِ هذه اليهوديَّةِ من أنَّ فِتنةَ الدَّجَّالِ وعَذابَ القَبرِ حقٌّ، ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُفسِّرًا للفِتنتيْنِ: "أمَّا فِتنةُ الدَّجَّالِ فإنَّه لم يكُنْ نَبيٌّ إلَّا قد حذَّر أُمَّتَه"، أي: من الدَّجَّالِ؛ وذلِك لشِدَّةِ فِتنتِه، وهذا دَليلٌ على أنَّه خارِجٌ لا مَحالةَ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وسأُحدِّثُكم بحديثٍ لم يُحذِّرْه نبيٌّ أُمَّتَه"، أي: سأذكُرُ لكم صفاتٍ في الدَّجالِ لم يذكُرْها نبيٌّ قبلي؛ وذلك حتى تَحذَروا منه، وتَعرِفوه إذا خَرَجَ فيكم، "إنَّه أعوَرُ"، أي: إحْدَى عينيْهِ عمياءُ، والأخرى صَحيحةٌ، وهذه صِفةُ نقْصٍ، "وإنَّ اللهَ ليس بأعوَرَ"، بل هو سُبحانَه مُتَّصِفٌ بصِفاتِ الكَمالِ والجَمالِ، "مكتوبٌ بين عينيْهِ كافِرٌ"، أي: مكتوبٌ على جَبهَةِ الدَّجَّالِ حُروفُ لَفظِ كافِرٍ، "يَقرَؤه كُلُّ مُؤمِنٍ"، وهذه صِفاتٌ واضحةٌ له، فهو أعورُ العَينِ اليُمنى، كما جاء في حديثِ ابنِ عُمَرَ عندَ البُخاريِّ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "إنَّ المسيحَ الدَّجَّالَ أعوَرُ العَينِ اليُمنى، كأنَّ عينَه عِنبَةٌ طافِيَةٌ"، وهو مع هذه الصِّفَةِ، مكتوبٌ بيْن عيْنَيْه: كافِرٌ، يَقرَأُ هذه الكَلِمةَ كُلُّ مُؤمِنٍ، سواءٌ كان يُجيدُ القِراءَةَ أم لا، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُوفِّقُ أهلَ الإيمانِ لقِراءَتِها.
ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فأمَّا فِتنةُ القَبرِ، فبي تُفتَنون، وعنِّي تُسأَلون"، أي: تُمتَحَنون بي في قُبورِكم، ويُتعرَّفُ إيمانُكم بنُبُوَّتي، تَسأَلُكم الملائِكَةُ الموكَّلةُ بحِسابِكم، وهم مُنكَرٌ ونَكيرٌ، "فإذا كان الرَّجُلُ الصالِحُ أُجلِسَ في قَبرِه غيرَ فَزِعٍ ولا مَشعوفٍ"، أي: أنَّه يُحْيَا مرَّةً أخرى في قَبرِه غيرَ خائِفٍ، والشَّعَفُ: شِدَّةُ الفَزَعِ حتى يذهَبَ بالقلْبِ، "ثم يُقالُ له: فِيمَ كُنتَ؟"، أي: في أيِّ دِينٍ؟ كما جاءَ في بعضِ الرِّواياتِ: ما دينُك؟"، فيقولُ: في الإسلامِ"، أي: دِيني الإسلامُ، "فيُقالُ: ما هذا الرَّجُلُ الذي كان فيكم؟"، أي: الرَّجُلُ المشهورُ بين أظْهُرِكم، ولا يَلزَمُ منه الحُضورُ بل يَكفي الإيمانُ والتَّصديقُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فيقولُ: مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ، جاءَنا بالبيِّناتِ من عندِ اللهِ، فصدَّقناه، فيُفرَجُ له فُرجةٌ قِبَلَ النارِ، فينظُرُ إليها يَحطِمُ بعضُها بعضًا"، هذا كنايةٌ عن شِدَّةِ نارِها وقُوَّتِها، "فيقالُ له: انظُرْ إلى ما وَقاك اللهُ"، أي: إلى الذي نجَّاك اللهُ منه، "ثم يُفرَجُ له فُرجةٌ إلى الجَنَّةِ، فينظُرُ إلى زَهرتِها وما فيها، فيُقالُ له: هذا مَقعَدُك منها، ويُقالُ: على اليقينِ كُنتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبعَثُ إنْ شاءَ اللهُ"، وهذا يَدُلُّ أنَّ مَن عاشَ في الدُّنيا على اليقينِ؛ فإنَّه يموتُ عليه عادَةً، وعليه يُبعَثُ، "وإذا كان الرَّجُلُ السوءُ"، أي: مَن كان على غيرِ التَّوحيدِ، "أُجلِسَ في قَبرِه فَزِعًا مَشعوفًا"، أي: يقومُ في قَبرِه خائِفًا في فَزَعٍ شديدٍ، يكادُ يَخلَعُ قلْبَه، "فيُقالُ له: فِيمَ كُنتَ؟"، أي: على أيِّ دِينٍ كُنتَ؟ "فيقولُ: سَمِعتُ الناسَ يقولون قولًا، فقُلتُ كما قالوا"، يعني: أنَّه كان مُقلِّدًا في دِينِه للناسِ، "فيُفرَجُ له فُرجةٌ إلى الجَنَّةِ، فينظُرُ إلى زَهرتِها وما فيها"؛ حتى تزدادَ حسْرَتُه على ما فرَّط في الدُّنيا، " فيُقالُ له: انظُرْ إلى ما صَرَفَ اللهُ عنك"، أي: ما حُرِمتَ منه لكُفرِكَ باللهِ عزَّ وجلَّ، " ثم يُفرَجُ له فُرجةٌ قِبَلَ النارِ، فينظُرُ إليها يَحطِمُ بعضُها بعضًا، ويُقالُ له: هذا مَقعَدُك منها"، أي: هذا هو جَزاءُ ما عَمِلتَ في الدُّنيا، "على الشَّكِّ كُنتَ، وعليه مِتَّ، وعليه تُبعَثُ إنْ شاءَ اللهُ، ثم يُعذَّبُ"، والشَّكُّ خِلافُ اليقينِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ نَعيمِ القَبرِ وعَذابِه.
وفيه: أنَّ الميِّتَ يَحيا في قَبرِه للمَسأَلةِ.( ).