الموسوعة الحديثية


- رأيْتُ رجلًا من جُهَيْنَةَ لمْ أَرْ رجلًا قطُّ أَعْظَمَ مِنْهُ ولا أَطْوَلَ ، قال : أتيْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في أَزْمَةٍ – أوْ أَزْلَةٍ – أَصابَتِ الناسَ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لِأصحابِهِ : تَوَزَّعُوهُمْ . فكَانَ الرجلُ يَأْخُذُ بِيَدِ الرجلِ ، والرجلُ يَأْخُذُ بِيَدِ الرجلَيْنِ ، فكَانَ القومُ يَتَحامُونَنِي لِما يَرَوْنَ من ( طولِي وعِظَمِي ) ، فأخذَ رسولُ اللهِ بِيَدِي فذهبَ بي إلى منزلِه ، فَحَلَبَ شَاةً فَشَرِبْتُ لَبَنَها ، ثُمَّ حَلَبَ أُخْرَى فَشَرِبْتُ لَبَنَها ، حتى حَلَبَ لي سبعًا ، قال : فَذَهَبْتُ ، فلمَّا كان مِنَ الغَدِ أَسْلمْتُ ، ثُمَّ جِئْتُ فحَلَبَ لي شَاةً واحدةً فَشَبِعْتُ ، ورَوِيتُ ، فقُلْتُ : واللهِ يا رسولَ اللهِ ، ما شَبِعْتُ قطُّ ولا رَوِيتُ قبلَ اليومِ ، فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : المؤمنُ يشربُ في مَعِيٍّ واحدٍ ، والكَافِرُ في سبعَةِ أَمْعَاءَ
الراوي : أبو الحباب سعيد بن يسار | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : المطالب العالية | الصفحة أو الرقم : 3/78 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الإسلامُ والإيمانُ باللهِ يُؤثِّرانِ في سُلوكِ أصحابِهما، بعكْسِ الكافرِ الَّذي لا هَمَّ له إلَّا تَلبيةُ رَغباتِ نفْسِه والانسياقُ وراءَها، وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو الحُبَابِ سَعيدُ بنُ يَسارٍ: "رأيْتُ رجُلًا مِن جُهينةَ"، وهي قَبيلةٌ مِن قبائلِ العرَبِ، "لم أَرَ رجُلًا قطُّ أعظَمَ منه ولا أطوَلَ"، أي: ضَخْمَ الجِسمِ، "قال: أتيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أزْمةٍ- أو أَزْبَةٍ- أصابَتِ النَّاسَ"، أي: في وقْتِ ضِيقٍ وجُوعٍ وشِدَّةٍ، "فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأصحابِه: تَوزَّعُوهم"، أي: وَزِّعوهم على بَعضِكم للضِّيافةِ، "فكان الرَّجلُ يأخُذُ بيَدِ الرَّجلِ، والرَّجلُ يأخُذُ بيَدِ الرَّجُلينِ"؛ لِيَضِيفَهم ويُطعِمَهم، "فكان القومُ يَتحامُونَني"، أي: يَتجنَّبونَني ويَبْتَعِدون عنِّي، "لِمَا يَرَون مِن طُولي وعِظَمِي، فأخَذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِي، فذهَبَ بي إلى مَنزلِه، فحلَبَ شاةً، فشَرِبْتُ لَبَنَها، ثمَّ حلَبَ أُخرى، فشَرِبْتُ لَبَنَها، حتَّى حلَبَ لي سبْعًا"، أي: شَرِبَ ألْبانَ سبْعِ شِياهٍ، "قال: فذهَبْتُ، فلمَّا كان مِن الغَدِ أسلَمْتُ"، أي: دخَلَ في دِينِ الإسلامِ، "ثمَّ جِئْتُ"، أي: إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، "فحلَبَ لي شاةً واحدةً، فشَبِعْتُ، ورَوِيتُ، فقلْتُ: واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما شَبِعْتُ قطُّ ولا رَوِيتُ قبْلَ اليومِ"، أي: ما شبِعْتُ بمِثْلِ هذا القَدْرِ القليلِ مِن الطَّعامِ قبْلَ هذا اليومِ، "فقال صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: المُؤمِنُ يَشرَبُ في مِعًى واحدٍ، والكافرُ في سَبْعةِ أمعاءٍ"، والمُرادُ: أنَّ المُؤمنَ يأْكُلُ بأدَبِ الشَّرعِ، فيأْكُلُ في مِعًى واحدٍ ويُبارَك له في القَليلِ، والكافِرُ يأْكُلُ بمُقْتَضى الشَّهوةِ والشَّرَهِ والنَّهَمِ، فيأْكُلُ في سبْعةِ أمعاءٍ حتَّى يَملأَ طَبقاتِ أمعائِه كُلِّها، وهذًا تَمثيلٌ لرِضَا المؤمنِ بِاليَسيرِ مِنَ الدُّنيا، وحِرْصِ الكافرِ على الكَثيرِ مِنها، وهو إعلامٌ بأنَّ هَمَّ المُؤمِنِ مَرضاةُ ربِّه تعالى لا التَّوسُّعُ في المأْكولِ؛ فيَكْفيهِ القليلُ، وعكْسُه الكافرُ؛ فهَمُّه الاستمتاعُ بالطَّيِّباتِ في حَياتِه الدُّنيا، فيأكُلُ بنَهَمٍ وشَراهةٍ ولا يَكتفي؛ فكأنَّه يأكُلُ في سَبعةِ أمعاءٍ مع عدمِ وجودِ البركةِ.