الموسوعة الحديثية


- دخل عَلَيَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في اليومِ الذي بُدِئَ فيه ، فقلتُ : وارأساه ، فقال : وَدِدْتُ أنَّ ذلك كان وأنا حَيٌّ ، فهَيَّأْتُكِ ودفنتُكِ ، قالت : فقلتُ غَيْرَى : كأني بك في ذلك اليومِ عروسًا ببعضِ نسائِك ! قال : وأنا وارأساه ! ادعي لي أباكِ وأخاكِ حتى أكتبَ لأبي بكرٍ كتابًا فإني أخافُ أن يقولَ قائلٌ ويتَمَنَّى مُتَمَنٍّ : أنا أَوْلَى ! ويأبى اللهُ عَزَّ وجَلَّ والمؤمنونَ إلا أبا بكرٍ .
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : أحكام الجنائز | الصفحة أو الرقم : 187 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو في صحيح البخاري بنحوه ومسلم مختصرا. وله طريق أخرى | التخريج : أخرجه ابن ماجه (1465)، وأحمد (25156) باختلاف يسير، وحديث وارسأه أصله في صحيح البخاري (5666)، وقوله: "ادعي لي أباكِ وأخاكِ ..." أخرجه مسلم (2387) باختلاف يسير
كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دائمَ التَّفكيرِ في أُمَّتِه وصلاحِها في الدِّين والدُّنيا، حتى في مَرَضِ موتِه مع ما اعتراهُ من شِدَّةِ الألمِ كان حَريصًا على جَمْعِ كَلِمةِ الأُمةِ مِن بَعدِه.
وفي هذا الحَديثِ تقولُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "دخَلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في اليومِ الَّذي بُدِئَ فيه"، أي: مرَضُه، ويُستفادُ منه أنَّ ابتداءَ مرَضِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان في يَومِ عائشةَ، ثمَّ أخَذَ يَدورُ على نِسائِه، فلمَّا اشتَدَّ به المرَضُ طلَبَ أنْ يكونَ في بَيتِ عائشةَ، "فقلْتُ: وارأساهُ"، أي: تَتأوَّهُ مِن وجَعِ رأْسِها، فقال لها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "ودِدْتُ أنَّ ذلك كان وأنا حَيٌّ، فهيَّأْتُكِ ودَفنْتُكِ"، أي: رجَوتُ أنْ يَحصُلَ مَوتُك وأنا حيٌّ، فجهَّزْتُك ودفنْتُكِ بيَدِي، واستغفرتُ لك، كما قال في رِوايةِ البُخاريِّ: "فأسْتَغفِرُ لكِ وأدْعُو لكِ". قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "فقلْتُ غَيْرَى"، مِن الغَيرةِ، "كأنِّي بكَ في ذلك اليومِ عَروسًا ببَعضِ نِسائِكَ"، أي: تَذهَبُ بعدَ الفَراغِ مِن الجِنازةِ تُعرِّسُ ببعضِ نِسائِكَ دونَ حُزنٍ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "وأنا وارأْساهُ"، ومعناه: أنَّه قال لها: دَعِي ذِكْرَ ما تَجِدِينَه مِن وجَعِ رأْسِكِ وغَيرتِك في هذا الوَقتِ، واشْتَغلي بي، وقد بدَأَ وجَعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي ماتَ فيه في هذا الوقتِ، ثمَّ قال صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "ادْعِي لي أباكَ وأخاك حتَّى أكتُبَ لأبي بَكرٍ كِتابًا؛ فإنِّي أخافُ أنْ يقولَ قائلٌ، ويَتمنَّى مُتمَنٍّ: أنا أولى! ويأبَى اللهُ عَزَّ وجلَّ والمُؤمِنون إلَّا أبا بَكرٍ"، أي: إنَّه أراد أنْ يُرسِلَ إلى أبي بكرٍ رضِيَ اللهُ عنه ويُوصِيَ له بخِلافتِه؛ حتَّى لا يقولَ أحدٌ: إنَّه أحَقُّ بها، أو يَتمنَّى مُتمَنٍّ أنْ تكونَ الخِلافةُ له، فأُعَيِّنَهُ؛ قطْعًا للنِّزاعِ والأطماعِ، وقد أراد اللهُ ألَّا يَعهَدَ؛ لِيُؤْجَرَ المُسلِمونَ على الاجتِهادِ، أو ترَكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك اعتِمادًا على ما عَلِمَه مِن تَقديرِ اللهِ تعالى، "ويأبى اللهُ عزَّ وجلَّ والمُؤمِنون إلَّا أبا بكرٍ"، أي: يأبى اللهُ إلَّا خِلافةَ أبي بكرٍ، ويَرفُضُ المُسلِمون خِلافةَ غيرِه.