- قُلنا: يا نَبيَّ اللهِ، مَن خَيرُ الناسِ؟ قال: ذو القَلبِ المَخْمومِ، واللِّسانِ الصَّادِقِ. قال: يا نَبيَّ اللهِ، قد عَرَفْنا اللِّسانَ الصَّادِقَ، فما القَلبُ المَخْمومُ؟ قال: التَّقيُّ، النَّقيُّ، الذي لا إثْمَ فيه، ولا بَغيَ، ولا حسَدَ. قال: قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، فمَن على أثَرِه؟ قال: الذي يَشنَأُ الدُّنيا، ويُحِبُّ الآخِرةَ. قُلْنا: ما نَعرِفُ هذا فينا إلَّا رافِع مَولى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمَن على أثَرِه؟ قال: مُؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ. قُلْنا: أمَّا هذه ففينا.
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب
الصفحة أو الرقم: 4/51 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "قُلْنا: يا نَبِيَّ اللهِ، مَن خيرُ النَّاسِ؟" أي: أفضَلُهم وأكمَلُهم، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذو القلْبِ المَخمومِ"، أي: صاحبُ القَلبِ النَّظيفِ الخالي مِن سيِّئِ الأخلاقِ وسيأتي تَفسيرُه من قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، "واللِّسانِ الصَّادقِ"، أي: صاحبُ اللِّسانِ المُبالِغِ في الصِّدقِ، فيَحصُلُ بذلك المُطابَقةُ بيْن تَحسينِ اللِّسانِ وطَهارةِ القَلبِ؛ فيَخرُجُ عن كَوْنِه مُرائيًا، "قال: يا نَبِيَّ اللهِ، قد عرَفْنا اللِّسانَ الصَّادقَ، فما القلْبُ المخمومُ؟ فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هو التَّقِيُّ"، أي: الخائفُ مِن اللهِ في سِرِّه وعَلَنِه، والمُراقِبُ له في كلِّ أعمالِه، "النَّقيُّ"، أي: نَقِيُّ القلْبِ، وطاهِرُ الباطِنِ، "الَّذي لا إثْمَ فيه"، أي: لا يُوجَدُ به سُوءٌ مِن الحِقدِ والغِلِّ، وأشباهِ ذلك؛ فإنَّه مَحفوظٌ بحِفظِ اللهِ وعِنايتِه، "ولا بَغْيَ"، أي: لا ظُلمَ فيه ولا مَيلَ عن الحقِّ، "ولا حسَدَ"، أي: ولا يَتمنَّى زَوالَ نِعمةِ الغيرِ، وكلُّ هذا دليلٌ على سَلامةِ هذا القلبِ وطَهارتِه ونَظافتِه من الآفاتِ؛ فالمخمومُ مأخوذٌ مِن تَخميمِ البَيتِ، أي: كَنْسِه وتَنظيفِه.
"قال: قُلنا: يا رسولَ اللهِ، فمَن على أثَرِه؟" وفي رِوايةِ أبي نُعيمٍ في الحِلْيَةِ: "فمَن يَلِيه يا رسولَ اللهِ؟" قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الَّذي يَشنَأُ الدُّنيا"، أي: يَكرَهُ الدُّنيا وشُرورَها، "ويُحِبُّ الآخِرةَ"، أي: بالعمَلِ لها، "قُلنا: ما نَعرِفُ هذا فينا إلَّا رافعٌ مولى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: هو الَّذي يُعرَفُ بتلك الصِّفاتِ، "فمَن على أثَرِه؟ قال: مُؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسنٍ"، أي: مُؤمِنٌ يتَّصفُ بالأخلاقِ العاليةِ الساميةِ، ويظْهَرُ أثرُ ذلك في عَلاقاتِه مع الناسِ قولًا وفعلًا، "قُلنا: أمَّا هذه فَفِينا"، أي: تُشتهَرُ فِينا، وحُسْنُ الخُلقِ دَليلٌ على حُسنِ الدِّينِ؛ لأنَّه تَطبيقٌ عَمليٌّ لِأوامرِ اللهِ تعالى ورسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبه يَنالُ صاحبُه خيرَ الدُّنيا والآخرةِ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على سَلامةِ الصُّدورِ والقُلوبِ مِن الصِّفاتِ الخبيثةِ؛ كالغِلِّ، والحِقدِ، والحسَدِ، وغيرِ ذلك.
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانه يَنظُرُ إلى القُلوبِ والأعمالِ، فيُجازي على ما يَطَّلِعُ عليه في قلْبِ عبْدِه مِن الإحسانِ أو غيرِه.
وفيه: مَنقبةٌ ظاهِرةٌ لأبي رافعٍ مولَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.