الموسوعة الحديثية


- لمَّا أقبَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزوةِ تَبوكَ أمَرَ مُناديًا فنادى أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آخِذٌ العَقَبةَ، فلا يأخُذْها أحَدٌ. فبَينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقودُه عَمَّارٌ ويَسوقُه حُذَيفةُ؛ إذْ أقبَلَ رَهطٌ مُتَلَثِّمونَ على الرَّواحِلِ حتى غَشَوْا عَمَّارًا وهو يَسوقُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأقبَلَ عَمَّارٌ يَضرِبُ وُجوهَ الرَّواحِلِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لحُذَيفةَ: قُدْ، قُدْ. حتى هَبَطَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا هَبَطَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نزَلَ، ورجَعَ عَمَّارٌ، فقال: يا عَمَّارُ، هل عَرَفتَ القَومَ؟ قال: قد عَرَفتُ عامَّةَ الرَّواحِلِ والقَومُ مُتَلَثِّمونَ. قال: هل تَدري ما أرادوا؟ قال: اللهُ ورسولُه أعلَمُ. قال: أرادوا أنْ يُنَفِّروا برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَطرَحوه. قال: فسارَّ عَمَّارٌ رضِيَ اللهُ عنه رجُلًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: نَشَدتُكَ باللهِ، ما كان أصحابُ العَقَبةِ؟ قال: أربَعةَ عَشَرَ. فقال: إنْ كُنتَ فيهم فقد كانوا خَمسةَ عَشَرَ. فعَدَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منهم ثلاثةً، قالوا: واللهِ ما سَمِعْنا مُناديَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما عَلِمْنا ما أرادَ القَومُ. فقال عَمَّارٌ: أشهَدُ أنَّ الاثنَيْ عَشَرَ الباقينَ منهم حَربٌ للهِ ولِرسولِه في الحياةِ الدُّنيا ويَومَ يَقومُ الأشهادُ. قال أبو الوَليدِ: وذكَرَ أبو الطُّفَيلِ في تلك الغَزوةِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال للناسِ. وذُكِرَ له أنَّ في الماءِ قِلَّةً، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُناديًا فنادى: لا يَرِدِ الماءَ أحَدٌ قبلَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فوَرَدَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فوجَدَ رَهطًا قد وَرَدوه قبلَه، فلعَنَهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَئذٍ.
الراوي : عامر بن واثلة أبو الطفيل | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد | الصفحة أو الرقم : 6/198 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح
كان المُنافِقون يُحاولونَ إيذاءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكُلِّ الطُّرقِ، ولكنَّ اللهَ سُبحانَه حَفِظَ نَبيَّه منهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو الطُّفيلِ عامرُ بنُ واثلةَ رضِيَ اللهُ عنه: "لَمَّا أقبَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزوةِ تَبوكَ" وقد كانتْ في السَّنةِ التَّاسعةِ مِن الهِجرةِ، وهي آخِرُ غَزوةٍ غَزاها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانتْ لمُواجَهةِ الرُّومِ على حُدودِ الجَزيرةِ العربيَّةِ مِن جِهَةِ الشَّامِ، وقد تَشتَّتَ جَيشُ الرُّومِ، ونصَرَ اللهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلا قِتالٍ، "أمَرَ مُنادِيًا، فنادَى: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آخِذٌ العَقبةَ" وهي ثَنيَّةٌ على طَريقِ العَودةِ مِن تَبوكَ إلى المدينةِ، "فلا يأخُذْها أحدٌ"، قِيل: إنَّما اختارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا الطَّريقَ لنفْسِه دونَ الجيشِ؛ لِيَفتضِحَ أمْرُ المُنافقين الَّذين تآمَروا على قتْلِه، قال أبو الطُّفيلِ: "فبيْنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقودُه عمَّارٌ"، أي: مِن الأمامِ، "ويَسوقُه حُذيفةُ"، أي: مِن الخَلفِ، "إذ أقبَلَ رهْطٌ مُتلثِّمون على الرَّواحلِ"، أي: جاء جماعةٌ يَرْكبون جِمالَهم ويُغطُّون وُجوهَهم؛ حتَّى لا يَعرِفَهم أحدٌ، والرَّهطُ: ما دونَ العَشرةِ. وقيل: إلى الأربعينَ، "حتَّى غَشَوْا عمَّارًا وهو يَسوقُ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: ازْدَحموا عليه وكَثُروا، "وأقبَلَ عَمَّارٌ يَضرِبُ وُجوهَ الرَّواحلِ"، أي: ليُبعِدَهم عن ناقةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لحُذيفةَ: قدْ قدْ"، أي: كفَى، أو يَكْفي ضرْبًا؛ وذلك أنَّ حُذيفةَ لَمَّا وجَدَهم ازْدَحموا على عَمَّارٍ شاركَهُ في ضَربِهم، "حتَّى هبَطَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا هبَطَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نزَلَ، ورجَعَ عمَّارٌ، فقال: يا عَمَّارُ، هل عَرَفْتَ القومَ؟ قال: قد عَرَفْتُ عامَّةَ الرَّواحلِ"، أي: عَرَفْتُ صِفاتِ أكثَرِ الجِمالِ المَركوبةِ، "والقومُ مُتلثِّمون، قال: هل تَدْري ما أرادوا؟ قال: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: أرادوا أنْ يَنفِروا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَطْرَحوه"، أي: أرادوا أنْ يَغْدِروا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويُوقِعوه مِن فَوقِ الجَملِ لِيَقتُلوهُ، "قال: فسارَّ عَمَّارٌ رضِيَ اللهُ عنه رَجُلًا مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: تَحدَّثَ معه سِرًّا، "فقال: نَشدْتُك باللهِ ما كان أصحابُ العَقبةِ"، قِيل: وهذه العَقبةُ ليستِ العَقبةَ المشهورةَ بمنًى الَّتي كانتْ بها بَيعةُ الأنصارِ رضِيَ اللهُ عنهم، وإنَّما هذه عَقَبةٌ على طَريقِ تَبوكَ، اجتمَعَ المُنافِقون فيها؛ للغدْرِ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "قال: أربعةَ عَشَرَ، فقال: إنْ كنْتَ فيهم، فقدْ كانوا خَمسَةَ عَشَرَ، فعدَّدَ"، أي: أحْصَى وحَدَّدَ، "رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منهم ثَلاثةً، قالوا: واللهِ ما سَمِعْنا مُناديَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما عَلِمْنا ما أرادَ القَومُ"، أي: أقْسَموا أنَّهم ما سَمِعوا مُناديَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتجاوَزَ عنهم أخْذًا بالظَّاهرِ، وأوكَلَ سَرائرَهم إلى اللهِ، "فقال عمَّارٌ: أشهَدُ أنَّ الاثني عَشَرَ الباقين منهم حَرْبٌ للهِ ولرَسولِه في الحَياةِ الدُّنيا ويومَ يقومُ الأشهادُ"، أي: هم أعداءٌ وخُصومٌ للهِ ولرَسولِه في الدُّنيا والآخِرةِ.
"قال أبو الوليدِ" وهو الوليدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ جُميعٍ أحَدُ رُواةِ هذا الحديثِ: "وذَكَرَ أبو الطُّفيلِ في تِلك الغَزوةِ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال للنَّاسِ، وذُكِرَ له أنَّ في الماءِ قِلَّةً، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُناديًا، فنادَى: لا يَرِدِ الماءَ أحدٌ قَبْلَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: لا يأخُذْ مِن الماءِ أحدٌ قبْلَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى وإنْ وصَلَ قَبْلَه، "فورَدَهُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوجَدَ رهْطًا"، أي: جَماعةً مِن النَّاسِ، والرَّهطُ: ما دونَ العَشَرةِ. وقيل: إلى الأَربعينَ، "قد ورَدُوه قبْلَه، فلعَنَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومئذٍ"، أي: دعا عليهم بالطَّردِ مِن الرَّحمةِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ أنَّ عِصيانَ أمْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيه خَطرٌ عظيمٌ قد يُؤدِّي إلى اللَّعنِ والطَّرد مِن رَحمةِ اللهِ.
وفيه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صدَرَ مِنه اللَّعْنُ لأقوامِ بعينِها .