الموسوعة الحديثية


- إنَّ اللَّهَ زوى لي الأرض - أو قال - إنَّ ربِّي زوى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها وإنَّ مُلكَ أمَّتي سيبلغُ ما زُويَ لي منها وأعطيتُ الكنزينِ الأحمرَ والأبيضَ وإنِّي سألتُ ربِّي لأمَّتي ألا يُهلِكَهم بسنةٍ عامَّةٍ ولا يسلِّطَ عليهم عدوًّا من سوى أنفسِهم فيستبيحَ بيضتَهم وإنَّ ربِّي قال يا محمَّدُ إنِّي إذا قضيتُ قضاءً فإنَّهُ لا يردُّ ولا أُهلِكُهم بسنةٍ عامَّةٍ ولا أسلِّطُ عليهم عدوًّا من سوى أنفسِهم فيستبيحَ بيضتَهم ولوِ اجتمعَ عليهم مَن بينِ أقطارِها - أو قال أقطارِها - حتَّى يَكونَ بعضُهم يُهلِك بعضًا وحتَّى يَكونَ بعضُهم يسبي بعضًا وإنَّما أخافُ على أمَّتي المضلِّينَ وإذا وُضعَ السَّيفُ في أمَّتي لم يرفع عنها إلى يومِ القيامةِ ولا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تلحقَ قبائلُ من أمَّتي بالمشرِكينَ وحتَّى تعبُدَ قبائلُ من أمَّتي الأوثانَ وإنَّهُ سيَكونُ في أمَّتي كذَّابونَ ثلاثونَ كلُّهم يزعمُ أنَّهُ نبيٌّ وأنا خاتمُ النَّبيِّينَ لا نبيَّ بعدي ولا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهرينَ على الحقِّ لا يضرُّهم من خالفَهم حتَّى يأتيَ أمرُ اللَّهِ
الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم | المحدث : عبد الحق الإشبيلي | المصدر : الأحكام الشرعية الصغرى | الصفحة أو الرقم : 906 | خلاصة حكم المحدث : [أشار في المقدمة أنه صحيح الإسناد]
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن بَعضِ ما أَنعَمَ اللهُ سُبحانَه وَتعالى عَليه وَعَلى أُمَّتِه، وعن سَعَةِ انتِشارِها في الأرضِ؛ فيَقولُ: "إنَّ اللهَ زَوى ليَ الأرضَ- أو قال: إنَّ ربِّي زوى ليَ الأرضَ-"، أي: قبَضَها وجمَعَها، "فرَأيتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ مُلكَ أُمَّتي سيَبلُغُ ما زُوِيَ لي مِنها"، أي: مِنَ الأَرضِ، ومعناه: أنَّ الأَرضَ زُوِيَت لي جُملتُها مرَّةً واحدةً، فرَأيتُ مَشارقَها ومَغاربَها، ثُمَّ هيَ تُفتَحُ لأُمَّتي جُزءًا فجزءًا، حتَّى يَصِلَ مُلكُ أُمَّتي ما زُوِيَ لي مِنها، ثُمَّ قال: "وأُعْطِيتُ الكَنزَيْنِ: الأحمرَ والأَبيضَ"، أي: كَنزَ الذَّهبِ والفِضَّةِ، والمُرادُ: كَنزَيْ كِسْرى وقَيصرَ مَلِكَي العراقِ والشَّامِ، ثُمَّ يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "وإنِّي سألْتُ رَبِّي"، أي: دَعوتُه، "لأُمَّتي ألَّا يُهلِكَهم بسَنةٍ عامَّةٍ"، أي: بقَحطٍ يَعُمُّهم، بلْ إنْ وَقَع قَحطٌ فيَكونُ في ناحيةٍ يَسيرةٍ بالنِّسبةِ إلى باقِي بلادِ الإِسلامِ، "ولا يُسلِّطَ عليهم عدُوًّا مِن سِوى أنفُسِهم"، أي: مِن الكافِرينَ، "فيَستبِيحَ بَيضتَهم"، أي: جَماعتَهم وأَصْلَهم، والبَيضةُ أيضًا: العِزُّ والمُلكُ.
"وَلو اجتَمعَ عَليهم مَن بيْن أَقطارِها- أو قال: أَقطارِها-"، أي: بأَطرافِها، جمْعُ قُطرٍ، وهوَ الجانبُ والنَّاحيةُ، والمَعنى: فَلا يَستبيحُ عدُوٌّ مِنَ الكُفَّارِ بَيضتَهم، ولوِ اجتمَعَ على مُحاربتِهم مِن أَطرافِ بَيضتِهم، حتَّى يَكونَ بَعضُهم يَهلِكُ بعضًا، وحتَّى يكونَ بعضُهُم يَسْبِي بَعضًا، "وإنَّما أخافُ على أُمَّتي المُضلِّينَ"، أي: أخافُ على أُمَّتي مِن شَرِّ الأئمَّةِ المُضلِّينَ، وإضلالِهم الَّذي يُؤدِّي إلى الفِتْنةِ، والمَرجِ والهَرجِ، وهَيجِ الحُروبِ ووَضْعِ السَّيفِ بيْنهم، "وإذا وُضِعَ السَّيفُ في أُمَّتي لم يُرفَعْ عنها إلى يومِ القيامةِ" وذلك بأنَّ الفِتْنةَ إذا وقَعَتْ بين الأُمَّةِ استمَرَّتْ؛ لِمَا اختارَهُ اللهُ مِن أنَّ هذه الأُمَّةَ عَذابُها في دُنياها بالسَّيفِ وإذاقةِ بَعضِها بأْسَ بَعضٍ، وإنْ لم يكُنْ ذلك في بلَدٍ يكُنْ في بلَدٍ آخَرَ، "ولا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تَلْحَقَ قَبائِلُ مِن أُمَّتي بالمُشركينَ" ومِنْ ذلك ما وَقَعَ بَعدَ وَفاتِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في خِلافَةِ الصِّدِّيقِ رضِيَ اللهُ عنهُ، "وحتَّى تَعبُدَ قَبائلُ مِن أُمَّتي الأوثانَ"، أي: الأصْنامَ، "وإنَّه سيكونُ في أُمَّتي كذَّابونَ ثلاثونَ"، أي: هم كذَّابون في دَعْوَتِهِمُ النُّبُوَّةَ، "كلُّهم يَزعُمُ أنَّه نَبِيٌّ، وأنا خاتَمُ النَّبيِّينَ لا نَبِيَّ بَعْدي"، أي: ختَمَ اللهُ به النَّبيِّينَ، فلا يُوحَى لأحدٍ بَعْدَه، "ولا تَزالُ طائفةٌ مِن أُمَّتي ظاهرينَ على الحقِّ"، أي: ثابتينَ على الحقِّ عِلْمًا وعمَلًا، "لا يضُرُّهم مَن خالَفَهم حتَّى يأتِيَ أمْرُ اللهِ"، أي: لا يضُرُّهم مَن خالَفَهم في الحقِّ مِن أهْلِ الباطلِ، ويَستمِرُّ ذلك حتَّى يأتِيَ أمْرُ اللهِ بالحقِّ في نِهايةِ الزَّمانِ، وقيل: عندَ ظُهورِ الرِّيحِ الَّتي يُقبَضُ عندها نفْسُ كلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمنةٍ.