الموسوعة الحديثية


- إنَّ أعرابيًّا دَخَلَ المَسجِدَ ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالِسٌ، فصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثم قال: اللَّهمَّ ارحَمْني ومُحَمَّدًا، ولا تَرحَمْ معنا أحَدًا. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقد تَحَجَّرتَ واسِعًا. ثم لم يَلبَثْ أنْ بالَ في ناحيةِ المَسجِدِ، فأسرَعَ الناسُ إليه.. فقامَ إليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: إنَّما بُنيَ هذا البَيتُ لِذِكرِ اللهِ والصَّلاةِ، وإنَّه لا يُبالُ فيه. ثم دعا بسَجْلٍ مِن ماءٍ، فأفرَغَه عليه، قال: يَقولُ الأعرابيُّ بَعْدَ أنْ فَقِهَ: فقام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليَّ بأبي هو وأُمِّي فلم يَسُبَّ، ولم يُؤنِّبْ، ولم يَضرِبْ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : إرواء الغليل | الصفحة أو الرقم : 1/190 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
التَّيسيرُ ورَفْعُ الحرَجِ مِن مَحاسنِ شَريعةِ الإسلامِ، وقدْ ظهَر ذلك جَليًّا في حياةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: "إنَّ أعرابيًّا دخَلَ المسجِدَ"، أي: مَسجِدَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والأعرابيُّ هو الَّذي يَسكُنُ الصَّحراءَ مِن العرَبِ، "ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ جالِسٌ"، أي: بالمسجدِ، "فصلَّى"، أي: الأعرابيُّ، "رَكعتينِ، ثمَّ قال"، أي: عقِبَ الانتهاءِ مِنَ الصَّلاةِ كما في الرِّواياتِ، "اللَّهمَّ ارحَمْني ومحمَّدًا، ولا تَرْحَمْ معَنا أحدًا"، أي: يَطلُبُ في دعائِه الرَّحمةَ لنَفسِه وللنَّبيِّ صَلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ ويَمنَعُها عن باقي المُسلِمينَ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ: "لقد تَحجَّرتَ واسِعًا"، أي: منَعْتَ وضيَّقتَ أمرًا جعَلَ اللهُ فيه السَّعةَ، ألَا وهو رَحمةُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ الَّتي تَشمَلُ كلَّ عِبادِه المُوحِّدين، والحَجْرُ: المَنْعُ، قال أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: "ثمَّ لم يَلبَثْ"، أي: فلمْ يَمكُثِ الرَّجلُ قليلًا، "أنْ بالَ في ناحيةِ المسجِدِ، فأسرَعَ النَّاسُ إليه"، أي: لِيَمنَعوهُ ويَزجُروه عمَّا فعَلَ، "فقامَ إليه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: إنَّما بُنِيَ هذا البيتُ لِذِكْرِ اللهِ والصَّلاةِ، وإنَّه لا يُبالُ فيه"، أي: أرشَدَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيَّنَ له أنَّ المساجِدَ تُحفَظُ مِنَ القاذوراتِ ونَحوِها، "ثمَّ دعا بِسَجْلٍ مِن ماءٍ، فأفرَغَهُ عليه"، أي: على بَولِ الرَّجلِ، والسَّجْلُ بمعنى الدَّلوِ، وهو وِعاءٌ كَبيرٌ للماءِ، قال: "يقولُ الأعرابيُّ بَعدَ أنْ فَقُهَ"، أي: فهِمَ وتعلَّمَ، "فقام النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليَّ بأبي هو وأُمِّي، فلم يسُبَّ، ولم يُؤنِّبْ، ولم يَضرِبْ"، بَيانٌ لِرِفْقِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَيسيرِهِ في إفهامِ الرَّجلِ وتَعليمِهِ.