الموسوعة الحديثية


-  إنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، حتَّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ، فَقَالَ: ما يَكونُ عِندِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1469 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجوَدَ بالخَيرِ مِن الرِّيحِ المُرسَلةِ، وكان يُعطِي عَطاءَ مَن لا يَخْشَى الفقْرَ، ومع سَعةِ إنفاقِه وُجودِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُربِّي النُّفوسَ على العَفافِ والاستغناءِ، وأنَّ ما عندَ اللهِ خَيرٌ وأبْقى.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ناسًا مِن الأنصارِ لم يُسَمِّهم سَأَلوا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَيئًا مِن المالِ فأعْطاهم، ثمَّ سَأَلوه فأعْطاهم، ثمَّ سَأَلوه فأَعْطاهم حتَّى نَفِدَ وانتَهى ما عِندَه مِن المالِ، فبيَّنَ لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَمنَعُ عنهم شيئًا مِن المالِ يكونُ عندَه فيَحتفَظ به لغَيرِهم.
ثمَّ أرشَدَهُم صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ وحَثَّهم على الاستِعفافِ؛ فمَن تَخلَّقَ بالعِفَّةِ عمَّا حَرَّمَ اللهُ عليْه -سَواءٌ في مَأكَلٍ، أو مَشرَبٍ، أو مَلبَسٍ، ونَحوِ ذلك- أعانَه اللهُ عليْها وحَصَلَتْ له، ثمَّ حثَّهم صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ على الاستِغناءِ، وهو أنْ يُسْتَغْنى الإنسانُ عمَّا في أيْدي النَّاسِ، ويَستَغنيَ بما عِندَه مِن اليَسيرِ عن المَسأَلةِ، فلا يَسألُ إلَّا إذا كان مُضطَرًّا، ومَن يَفعَلْ ذلك يَمُدَّه اللهُ عزَّ وجلَّ بالغِنى مِن عِندِه، ويَجعَلِ القَليلَ في عَينِه كَثيرًا، ثمَّ حثَّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ على الْتِزامِ الصَّبرِ وتَعويدِ النَّفسِ عليْه؛ لأنَّ الإنسانَ إذا صَبَرَ استَعفَفَ واستَغْنى، ولم يَحصُلْ منه السُّؤالُ والإلْحافُ في المَسأَلةِ.
وقولُه: «ومَن يَتَصبَّرْ يُصَبِّرْه اللهُ»، أي: ومَن يُعالِجِ نفْسَه بالصَّبرِ ويَتَكلَّفْه على ضِيقِ العَيشِ وغَيرِه مِن مَكارِه الدُّنيا؛ يَملَأِ اللهُ قَلْبَه به، ومَن بَذَلَ الأسبابَ وحَرَصَ على الصَّبرِ؛ فإنَّ اللهَ تعالَى يُوفِّقُه لتَحصيلِه، ويَجعَلُه يَتَّصفُ به.
ثمَّ بيَّن أنَّه ما أعْطَى اللهُ أحدًا نِعمةً ولا خُلُقًا كَريمًا أفضَلَ ولا أوسَعَ مِن الصَّبرِ؛ لأنَّه يَتَّسِعُ لكُلِّ الفَضائلِ، فكُلُّها تَصدُرُ عنه، وتَعتَمِدُ عليْه؛ مِن عِفَّةٍ، وشَجاعةٍ، وعَزيمةٍ، وإرادةٍ، وإباءٍ، وغَيرِها، والإنسانُ إذا كان صَبورًا تَحمَّلَ كُلَّ مَكروهٍ بإذْنِ اللهِ تعالَى.
وفي الحَديثِ: أنَّ الأخلاقَ الكريمةَ يُمكِنُ اكتِسابُها والوصولُ إليها عن طَريقِ التعوُّدِ عليها.
وفيه: ما كان عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الكَرَمِ والسَّخاءِ والإيثارِ على نفْسِه.
وفيه: الاعتِذارُ للسَّائلِ إذا لم يَجِدِ المسؤولُ ما يُعطِيه.
وفيه: الحَضُّ على الاستِغناءِ عن النَّاسِ بالصَّبرِ، والتَّوكُّلِ على اللهِ، وانتظارِ رِزقِ اللهِ سُبحانَه، وأنَّ الصَّبرَ أفضلُ ما أُعطيَه المؤمنُ، وكذلك الجَزاءُ عليه غيرُ مُقدَّرٍ ولا مَحدودٍ.