- إنَّما يلبَسُ الحريرَ من لا خَلاقَ لَهُ
الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد
الصفحة أو الرقم: 1/173 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ مَوْلَى أسماءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ: "أَرْسَلَتْنِي أسماءُ إلى عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ"، أي: أرسلتْني أسماءُ بنتُ أَبي بكرٍ إلى ابْنِ عُمَرَ تَسألُهُ عن أشياءَ ثَلاثَةٍ، "فقالت: بَلَغَنِي أنَّكَ تُحَرِّمُ أشياءَ ثلاثَةً"، أي: قالتْ أسماءُ: وَصَلَنِي أنَّكَ يا ابْنَ عُمَرَ تُفْتي بِتَحريمِ ثلاثَةِ أشياءَ، وهذه الثَّلاثةُ هي: "العَلَمُ في الثَّوبِ"، أي: الشَّريطُ في الثَّوْبِ إذا كان مِنْ حَريرٍ. "وَمِيثَرَةُ الأُرْجُوَانِ" والمِيثَرَةُ نَوْعٌ مِن أنواعِ الفُرُشِ الزَّائِدَةِ الَّتي تُوضَعُ على الدَّوابِّ، والأُرْجُوَانُ شَديدُ الحُمْرَةِ، "وَصَوْمُ رَجَبَ كُلِّهِ"، أي: صيامُ شَهرِ رجبَ كامِلًا، "فقال لي عبدُ اللهِ"، أي: قال عبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لعبدِ اللهِ مَوْلَى أسماءَ: "أمَّا ما ذَكَرْتَ مِن رَجَبَ"، أي: أمَّا رَدِّي على قَوْلِكَ إنِّي أُحَرِّمُ صومَ رجبَ كُلِّهِ؛ "فَكَيف بِمَنْ يَصومُ الأَبَدَ؟"، كأنَّ ابْنَ عُمَرَ يُنْكِرُ عليها قَوْلَها بِفِعْلِهِ، وأنَّه يَصومُ السَّنَةَ والدَّهْرَ كُلَّهُ؛ فكيف يُحَرِّمُ صيامَ رجبَ وهو يَصومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟! والمُرادُ بِالأَبَدِ هُنا ما سِوَى أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ، "وأمَّا ما ذَكَرْتَ مِنَ العَلَمِ في الثَّوبِ"، أي: وأمَّا ما قُلْتَ في تَحريمي لِشَريطِ الحَريرِ في الثِّيَابِ؛ فإنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: "إنَّما يَلْبَسُ الحَريرَ مَنْ لا خَلاقَ له"، أي: لا يَلْبَسُ الحريرَ إلَّا مَنْ لا حَظَّ ولا نَصيبَ له مِنَ الأَجْرِ والثَّوابِ في الآخِرَةِ، وَقِيلَ: مَنْ لا حُرْمَةَ له، وقيل: الَّذي لا دِينَ له، "فَخِفْتُ أنْ يكونَ العَلَمُ مِنه"، أي: فَخَشيتُ أنْ يَأْخُذَ شَريطُ الحَريرِ حُكْمَ لُبْسِ الحريرِ في التَّحريمِ، وهذا تَصْريحٌ منه أنَّه لم يُحَرِّمْهُ، بل تَوَرَّعَ عنه؛ خَشْيَةَ دُخولِهِ فِي عُمومِ النَّهيِ عَنِ الحريرِ، "وأمَّا مِيثَرَةُ الأُرْجُوَانِ"، أي: وأمَّا ما ذَكَرْتَ من تحريمي لِلسُّرُجِ شَديدةِ الحُمْرَةِ؛ "فهذه مِيثَرَةُ عبدِ اللهِ، فإذا هي أُرْجُوَانُ"، أي: فهذه مِيثَرَتِي أمامَكَ، وهي مَصْبوغَةٌ، وشديدةُ الحُمْرَةِ، والمرادُ أنَّها حمراءُ، وليستْ مِن حريرٍ، بل مِن صُوفٍ أو غيرِهِ، والأحاديثُ الوارِدةُ في النَّهيِ عنها مخصوصةٌ بالَّتي هي مِنَ الحريرِ.
قال: "فَرَجَعْتُ إلى أسماءَ فَخَبَّرْتُها"، أي: فرَجَع عبدُ اللهِ مولى أسماءَ إليها، فأخبرها برَدِّ ابنِ عُمرَ على أسئلتِها، "فقالت"، أي: أسماءُ، "هذه جُبَّةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، الجُبَّةُ مِثْلُ العَباءةِ، وهي ما يُلْبَسُ فَوْقَ غيرِهِ مِنَ الثِّيَابِ، والمقصودُ: وهذه عَباءةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ"، أي: فأخرجتْ أسماءُ إلى عبدِ اللهِ مولاها، "جُبَّةَ طَيالِسَةٍ كِسْرَوانِيَّةً"، والطَّيالسةُ جَمْعُ طَيْلَسَانٍ، وهو ما يَعُمُّ سائِرَ الجسدِ، وقيل: الثَّوبُ الَّذي له أَعلامٌ، أي: به شَريطٌ مِن حريرٍ، وكِسْرَوانِيَّةٌ نِسْبَةٌ إلى كِسْرَى ملِكِ الفُرْسِ، أي: مِثْلُ الَّتي يَلْبَسُها أَهْلُ فارِسَ، والمقصودُ عَباءةٌ كبيرةٌ تَعُمُّ سائِرَ الجسدِ، مِثْلُ عباءاتِ أهلِ فارسَ، "لها لِبْنَةُ دِيباجٍ"، أي: مُرَقَّعَةٌ بالحَريرِ عِند فَتحةِ الرَّقَبةِ، "وَفُرْجَيْها مَكْفوفَيْنِ بِالدِّيباجِ"، أي: فَتْحَتَيْها مُحَلَّتَيْنِ ومَخِيطَتَيْنِ بالحريرِ، وكانتْ لها فتحتان مِنَ الأَمامِ ومِنَ الخَلْفِ؛ لِيَسهُلَ لُبْسُها في الرَّأسِ، ومَعنى الثَّوبِ المكفوفِ أنَّه جُعِلَ له كُفَّةٌ، وهو ما يُجْعَلُ إطارًا في الأطرافِ والجوانبِ، وَيُثْنَى عليه؛ لِحِمياتِهِ وتَجميلِهِ، ويكون ذلك في طَرَفِ الذَّيْلِ، وفي الفُرْجَيْنِ، وفي الكُمَّيْنِ، وإخراجُها لِجبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المكفوفةِ بالحريرِ قَصَدَتْ به بيانَ أنَّ هذا ليس مُحَرَّمًا، إذا كان بهذا القَدْرِ اليسيرِ، "فقالت"، أي: أسماءُ، "هذه"، أي: جُبَّةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "كانتْ عِند عائشةَ حتَّى قُبِضَتْ"، أي: ظَلَّتِ الجُبَّةُ عِند عائشةَ زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى ماتَتْ، "فلمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُها"، أي: فلمَّا ماتَتْ عائشةُ أَخذَتْ أسماءُ أختُها جُبَّةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاحتفظَتْ بها عِندها، "وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَلْبَسُها"، أي: وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَلْبَسُ تلك الجُبَّةَ، "فنحن نَغسِلُها للمَرضَى؛ يُسْتَشْفَى بها"، أي: نَلْتَمِسُ بَركةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن تلك الجُبَّةِ في شِفاءِ مَرْضانا، وقيل: تُغْسَلُ الجُبَّةُ، ويَشرَبُ المرضَى ماءَ غَسْلِها.
وفي الحديث: النَّهيُ عن لُبسِ ثِيابِ الحريرِ الخالِصِ.