- خُسِفَتِ الشمسُ فصلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ والناسُ معه فقام قيامًا طويلًا قال : نحوًا مِنْ سورةِ البقرةِ قال : ثم ركَع ركوعًا طويلًا ثم رفَع فقام قيامًا طويلًا وهو دونَ الأولِ ثم ركَع ركوعًا طويلًا وهو دونَ الركوعِ الأولِ ثم سجَدَ ثم قام قيامًا طويلًا وهو دونَ القيامِ الأولِ ثم ركَع ركوعًا طويلًا وهو دونَ الركوعِ الأولِ ثم قام قيامًا طويلًا وهو دونَ القيامِ الأولِ ثم ركع ركوعا طويلًا وهو دونَ الركوعِ الأولِ ثم سجَد ثم انصرف وقد تجلَّتِ الشمسُ فقال : إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ مِنْ آياتِ اللهِ لا يُخسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه فإذا رأيتُم ذلك فاذكُروا اللهَ قالوا : يا رسولَ اللهِ رأيناك تناولتَ شيئًا في مقامِك هذا ثم رأيناك تكَعْكَعْتَ قال : إني رأيتُ الجنةَ أو أُريتُ الجنةَ ولم يشُكَّ إسحاقُ قال : رأيتُ الجنةَ فتناولتُ منها عُنقودًا ولو أخذتُه لأكلتُم منه ما بَقِيَتِ الدنيا ورأيتُ النارَ فلمْ أرَ كاليومِ منظرًا أفظعَ ورأيتُ أكثرَ أهلِها النساءَ قالوا : لِمَ يا رسولَ اللهِ قال : بكُفْرِهنَّ قال : أَيَكْفُرْنَ باللهِ عز وجل قال : لا ولكنْ يَكْفُرْن العَشِيرَ ويِكْفُرْنَ الإحسانَ لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهرَ كلَّه ثم رأتْ منك شيئًا قالتْ : ما رأيتُ منك خيرًا قطُّ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد
الصفحة أو الرقم: 5/127 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
التخريج : أخرجه البخاري (5197)، ومسلم (907)، والنسائي (1493) باختلاف يسير، وأبو داود (1189) مختصراً، وأحمد (3374) واللفظ له
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الشَّمسَ انخَسَفَتْ عَلى عَهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وخُسوفُ الشَّمسِ: ذَهابُ ضَوئِها، وأكثَرُ ما يُعبَّرُ عن الشَّمسِ بالكُسوفِ، وعن القمَرِ بالخُسوفِ، وقد يُعبَّرُ بأحدِهما عن الآخَرِ، وهذا ما وَقَعَ في هذه الرِّوايةِ.
فصَلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهم صَلاةَ الكُسوفِ رَكعتَينِ في جَماعةٍ، ويُبيِّنُ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما صِفةَ الصَّلاةِ التي صَلَّاها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فيُخبِرُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَقَفَ بعْدَ تَكبيرةِ الإحرامِ وُقوفًا طَويلًا، فقَرَأَ مِقدارَ ما يَكفي لِقِراءةِ سُورةِ البَقرةِ، ثمَّ رَكَعَ رُكوعًا طَويلًا، ثمَّ رَفَعَ مِن الرُّكوعِ، فَقامَ قيامًا طَويلًا قرَأَ فيه أقلَّ مِمَّا قرَأَ في القِيامِ الأوَّلِ، ثمَّ رَكَعَ رُكوعًا طَويلًا، وهو أقلُّ مِن الرُّكوعِ الأوَّلِ، ثمَّ رَفَعَ، يَعني: أنَّ القِيامَ الثانيَ والرُّكوعَ الثانيَ أقلُّ مِن الأوَّلِ، ثمَّ سَجَدَ سَجدتَينِ، ثمَّ قامَ للرَّكعةِ الثانيةِ قِيامًا طَويلًا، وهو أقلُّ مِن القيامِ الأوَّلِ، ثمَّ رَكَعَ رُكوعًا طَويلًا، وهو أقلُّ مِن الرُّكوعِ الأوَّلِ في الرَّكعةِ السابقةِ، ثمَّ رَفَعَ مِن الرُّكوعِ فقامَ قيامًا طَويلًا، وهو دونَ القيامِ الأوَّلِ، ثمَّ رَكَعَ رُكوعًا طَويلًا، وهو أقلُّ مِن الرُّكوعِ السابقِ، ثُمَّ رَفَعَ مِن الرُّكوعِ الثاني، ثمَّ سَجَدَ سَجدتَينِ، وتَشَهَّدَ وسلَّمَ مِن صَلاتِه، ثمَّ انصَرفَ مِن صَلاتِه وقد تَجلَّت الشَّمسُ، أي: ظَهَرتْ وعادَ إليها الضَّوءُ وزالَ الكُسوفُ، ثمَّ خَطَبَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فبيَّنَ في خُطبتِه أنَّ الشَّمسَ والقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ، لا يَنكسِفان ولا يَخسِفانِ لِمَوتِ أحَدٍ ولا لحَياتِه، وهذا ردٌّ لِمَا كان قد تَوَهَّمَهُ بعضُ النَّاسِ مِن أنَّ كسوفَ الشَّمسِ كان لأجْلِ موتِ إبراهيمَ بنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان قد مات وكَسَفَتِ الشَّمسُ.
ثمَّ وَجَّهَهُم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى ما هو واجبٌ عليهم، فقال: «فإذا رَأيتُم ذلك، فاذْكُروا اللهَ»، أي: احتَمُوا به بالذِّكرِ والثَّناءِ والعِبادةِ، واسْأَلوه أنْ يَكشِفَ عنكم غَضَبَه وعَذابَه.
ثمَّ سَأَلَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللهِ، لقد رَأَيْناكَ أثناءَ صَلاتِك تَناوَلتَ شَيئًا في مَقامِك، ثمَّ رَأَيناكَ «كَعْكَعْتَ»، أي: تَأخَّرتَ، أو تَقَهقَرتَ لِلْوراءِ. فأجابَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه رَأى الجنَّةَ رُؤْيا عَينٍ كُشِفَ له عنها، فَرَآها عَلى حَقيقتِها، وأرادَ أنْ يَتناوَلَ منها عُنقودًا وقال: لَوْ تَمكَّنتُ مِن قَطْفِه لَأكَلْتُم مِن هذا العُنقودِ ما بَقِيَت الدُّنيا.
وأخْبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ سَببَ تَراجُعِه للوَراءِ أنَّه رَأى النَّارَ، فلَم يَرَ مَنظَرًا أفظَعَ ولا أقبَحَ ولا أشنَعَ ولا أسْوَأَ منها. وأخبَرَ أنَّه رَأى أكثرَ أهلِ النارِ النِّساءَ، فسَأَلوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن سَببِ ذلك، فأخْبَرَ أنَّه بسَببِ كُفْرِهنَّ، فسَأَلوه: يَكْفُرْنَ باللهِ؟ فقال: يَكفُرْنَ العَشيرَ، والعَشيرُ المرادُ به الزَّوجُ، وكُفْرُهنَّ العَشيرَ معْناهُ: نُكرانُهنَّ إحسانَ الزَّوجِ، وعَدَمُ الاعتِرافِ بِه، وجَحْدُه، حَتَّى إنَّ الواحدةَ منْهنَّ تَقولُ: ما رَأَيتُ مِنكَ خَيرًا قَطُّ، إذا رَأَتْ مِنك ما لا يُعجِبُها، فتَجحَدُ فضْلَه وإحسانَه كلَّه بسَببِ شَيءٍ أغضَبَها.
وفي الحَديثِ: المُبادَرةُ إلى طاعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ عِندَ حُصولِ ما يُخافُ مِنه وما يُحذَرُ، وطَلَبُ دَفعِ البَلاءِ بذِكرِ اللهِ تعالَى وتَمجيدِه وأنواعِ طاعتِه.
وفيه: ما كانَ عليه مِن نُصحِ أُمَّتِه وتَعليمِهم ما يَنفَعُهم، وتَحذيرِهم ممَّا يَضُرُّهم.
وفيه: مُراجَعةُ المُتَعلِّمِ لِلعالِمِ فيما لا يُدرِكُه فَهْمُه.
وفيه: النَّهيُ عن كُفرانِ الإِحسانِ.
وفيه: إطلاقُ الكُفرِ على جُحودِ النِّعمةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ صَلاةِ الكُسوفِ، وبيانُ صِفَتِها.
وفيه: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ لِلنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيثُ رَأى الجنَّةَ والنَّارَ، وكَشَفَ اللهُ له عن بَعضِ ما فيهما مِن النَّعيمِ والعَذابِ.