الموسوعة الحديثية


-  كُنْتُ مع ابْنِ عُمَرَ حِينَ أصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ في أخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُه بالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ، فَنَزَعْتُهَا، وذلكَ بمِنًى، فَبَلَغَ الحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: لو نَعْلَمُ مَن أصَابَكَ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: أنْتَ أصَبْتَنِي، قَالَ: وكيفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلَاحَ في يَومٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ الحَرَمَ ولَمْ يَكُنِ السِّلَاحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ.
الراوي : سعيد بن جبير | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 966 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
هناك أزمانٌ وأماكنُ عظَّمَها اللهُ عزَّ وجلَّ، وجَعَلَ لها حُرمةً لا يَنتهِكُها إلَّا مَن هو آثِمٌ قلْبُه، وقدْ كان الحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ الثَّقفيُّ طاغيةً ظالِمًا غَشومًا.
وفي هذا الحديثِ يَحكي التابعيُّ سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ رَحِمه اللهُ أنَّه كان مع عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما في الحجِّ عندَما أصابَه سِنُّ الرُّمحِ في «أخْمَصِ قَدَمِه»، وهو الجُزءُ المُجوَّفُ في باطِنِ القدَمِ، ويكونُ مُرتفِعًا عندَ المشْيِ، وقد وقَعَ ذلك وهُما في مِنًى بمكَّةَ -وهو وادٍ قُربَ الحرمِ المكِّيِّ يَنزِلُه الحُجَّاجُ لِيَرمُوا فيه الجِمارَ- حِينَما كان الحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ أميرًا على الحِجازِ، بعْدَ مَقتلِ عَبدِ الله بنِ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما بسَنةٍ، وذلك سَنةَ أربعٍ وسَبعينَ مِن الهِجرةِ.
فلمَّا أُصِيبَ ابنُ عُمَرَ الْتَصَق قَدَمُه بِالرِّكَابِ -وهي ما تُوضَعُ فيه الرِّجلُ مِن السَّرجِ؛ للاستِعانةِ على رُكوبِ الدَّابَّةِ- ولم يَستطِعِ النُّزولَ عن دابَّتِه، فما كان مِن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ إلَّا أنْ نزَعَ رَأسَ الرُّمحِ مِن قَدَمِ ابنِ عُمرَ، فلمَّا بلَغَ الحَجَّاجَ إصابةُ ابنِ عُمرَ أتاهُ لزِيارتِه، وقال له: «لو نعلَمُ مَن أصابَك»! أي: لعاقَبْناه، فقال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنتَ أصَبْتَني»؛ لأنَّك تَسبَّبْتَ في ذلك بأفعالِك، فقال الحَجَّاجُ: «وكيف؟»، فأخبَرَه ابنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما: أنَّه حَمَلَ السِّلاحَ في يَومِ العِيدِ؛ وذلك أنَّ أيَّامَ مِنًى في الحَجِّ تُصادِفُ عِيدَ الأضْحَى في جَميعِ بِلادِ المسلِمينَ، وهو يَومٌ لم يكُنْ يُحمَلُ فيه السِّلاحُ، وأنَّه أدْخَلَ السِّلاحَ في مِنًى، ولم يكُنِ السِّلاحُ يَدخُلُها. وقد ورَدَ في السُّنَّةِ أنَّه لا يَنْبغي حمْلُ السِّلاحِ في المَشاهدِ التي لا يُحتاجُ إلى حَمْلِه فيها؛ لِما يُخْشَى فيها مِن الأذَى والعقْرِ عندَ تَزاحُمِ الناسِ؛ ففي الحديثِ المتَّفَقِ عليه قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للذي رآهُ يَحمِلُ السِّلاحَ في المسجِدِ: «أمسِكْ بنِصالِها»؛ وذلك حتَّى لا يُصِيبَ بها أحدًا، ولكنْ إنْ خافوا عدُوًّا فمَشروعٌ حمْلُها؛ فقدْ شَرَعَ اللهُ تعالَى حمْلَ السِّلاحِ في الصَّلاةِ عِندَ الخَوفِ.
وفي الحديثِ: أنَّ مِنًى مِن الحرَمِ.
وفيه: النَّهيُ عن حمْلِ السِّلاحِ في الحرَمِ؛ للأمْنِ الَّذي جَعَله اللهُ تعالَى فيه لأُمَّةِ الإسلامِ.
وفيه: النَّهيُ عن حمْلِ السِّلاحِ يومَ العِيدِ.
وفيه: قوَّةُ أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجُرأَتُهم في الحقِّ.
وفيه: أنَّ مَن شَرَعَ شيئًا أو تسبَّبَ في شَيءٍ فحَصَلَ منه أذًى، جاز أنْ يُنسَبَ ذلك الأذَى إليه.