الموسوعة الحديثية


-  لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الحِجَارَةَ، فَقالَ العَبَّاسُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اجْعَلْ إزَارَكَ علَى رَقَبَتِكَ. فَخَرَّ إلى الأرْضِ، وطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إلى السَّمَاءِ، فَقالَ: أَرِنِي إزَارِي. فَشَدَّهُ عليه.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1582 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه مسلم (340) باختلاف يسير
أحاطَ اللهُ تعالَى نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّعايةِ منذُ صِغرِه وقبْلَ أنْ يَبعَثَه بالرِّسالِة، وصانَه عن كلِّ عَيبٍ ونقِيصةٍ، ومِن مَظاهرِ هذه الرِّعايةِ والعنايةِ ما في هذا الحديثِ، حيثُ يَروي جابرُ بنُ عبدِ الله رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَنقُلُ الحِجارةَ لِبناءِ الكعبةِ مع قَومِه لَمَّا أرادَتْ قُرَيشٌ إعادةَ بِنائِها، وكان ذلك قبْلَ مَبعثِه بمُدَّةٍ، وقيل: كان يَومَئذٍ ابنَ خمسةَ عشَرَ عامًا.
وكان أثناءَ حمْلِه لِلحِجارةِ يَلبَسُ إزارَه -وهو ثَوبٌ يُتَّخَذُ لسَترِ الجزءِ السُّفليِّ مِن الجسَدِ- فقال له عمُّه العبَّاسُ: لو فكَكْتَ الإزارَ ووضَعْتَه تحتَ الحجارةِ على كَتفِك فتَجعَلَه حائلًا بيْن جَسَدِك وبيْنَ الحجارةِ، فيَكونَ أقَلَّ وَجَعًا وتَعبًا عندَ حمْلِ الأحجارِ، ففَعَل صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، فوَقَعَ على الأرضِ، وطَمِحَتْ عَيْناه، أي: شَخِصَتا وارتَفَعَتا إلى السَّماءِ، فصار يَنظُرُ إلى فَوقَ، وهذا كِنايةٌ عن سُقوطِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَغشيًّا عليه؛ لِانكشافِ عَورتِه؛ لأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان مَجبولًا على أحسَنِ الأخلاقِ مِنَ الحَياءِ الكاملِ، وكان سُقوطُه أستَرَ له.
وهذا مِن قَبيلِ عِنايةِ اللهِ تعالَى بِنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَقويمِه على أحسَنِ الأخلاقِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِعَمِّه العبَّاسِ رَضيَ اللهُ عنه: أرِني -أي: أَعْطِني- إِزاري؛ لأنَّ الإراءةَ مِن لازِمِها الإعطاءُ، فأعطاهُ، فأخَذَه فشَدَّه عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وسَتَرَ به عَورتَه.
وفي الحديثِ: فَضلُ المُشارَكةِ في بُنيانِ الكَعبةِ.
وفيه: الحِرصُ على سَتْرِ العَورةِ.