الموسوعة الحديثية


- كنتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، وكنتُ على جملٍ ، فقال: مالك في آخرِ الناسِ! قلتُ: أعيا بعيري، فأخذ بذنبِه ثم زجرَه ، فإن كنتُ إنما أنا في أولِ الناسِ يُهِمُّني رأسَه, فلما دنونا في المدينةِ قال: ما فعلَ الجملُ ؟ بعنيه قال: لا، بل بعنيه قد أخذتُه بوُقيِّةٍ ، اركبه ، فإذا قدِمتَ المدينة فائتنا به، فلما قدمتُ المدينةَ جئتُه به، فقال لبلالٍ يا بلالُ ، زن له أُوقيَّةٌ ، وزِده قيراطًا.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 4653 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (2718)، ومسلم (715)، والنسائي (4639) واللفظ له، وابن ماجه (2205)، وأحمد (14195)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّ أصحابَه ويَرعاهُم؛ فيُعطي الفَقيرَ، ويُعلِّمُ الجاهلَ، ويُراعي أحوالَهم المختلفَةَ، ومن ذلك ما يَحكيه جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ رضي اللهُ عنهُما في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ: "كنتُ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفرٍ"، قيل: وكان ذلك في فَتحِ مكَّةَ وهم راجِعونَ منها إلى المدينَةِ، قال: "وكُنتُ على جَملٍ"، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ما لكَ في آخِرِ النَّاسِ؟" أي: ما سَببُ تأخُّرِك عن الرَّكبِ؟ وكان مِن عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحَسنةِ أنَّه يكونُ في آخِرِ الجيشِ رِفقًا بالضَّعيفِ والمنقطعِ، وكان يَتخلَّف في المسير فيكونُ في آخِر الرَّكبِ يَسوقُ المركوبَ الذي يكون ضعيفًا، ويُردِفُ الضَّعيفَ مِن الماشين، ويُركِبُه وراءَه، ويَدْعُو للجيشِ عُمومًا، وللضَّعفةِ خُصوصًا، فقال جابرٌ مُجِيبًا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "أعْيا بَعيري"، أي: تَعِبَ وضَعُفَ، فأخَذ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "بذَنَبِه ثمَّ زَجَره"، أي: فتَناولَه من ذَيلِه وحثَّه على السَّيرِ، فأسْرَع الجملُ في السَّيرِ حتَّى قال جابرٌ: "فإنْ كنتُ إنَّما أنا في أوَّلِ النَّاسِ يُهمُّني رأسُه"، أي: أخافُ أن يتقدَّمَ رأسُه على جِمالِ النَّاسِ؛ لشِدَّةِ إسراعِه، وإنَّما أهمَّه ذلك خوفًا مِن أنْ يَتقدَّمَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما بيَّنتْه الرِّواياتُ الأُخرى.
قال جابرٌ: "فلمَّا دَنَوْنا في المدينةِ"، أي: اقتَربْنا منها، "قال: ما فَعَل الجَملُ؟ بِعْنِيه، قال: لا"، وفي رويةِ الصَّحيحيْنِ قال جابرٌ: "لا، بَل هو لك يا رَسولَ اللَّهِ"، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "بل بِعْنيه، قد أخذْتُه بوَقيَّةٍ"، وهي ما يُساوي أربعينَ دِرهمًا، ثم قال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "اركبْه، فإذا قَدِمتَ المدينةَ فائتِنا به"، قال جابرٌ: "فلمَّا قَدمتُ المدينةَ جئْتُه به، فَقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبِلالٍ"- وكان بلالٌ رضي اللهُ عنه يتولَّى نَفقاتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "يا بلالُ، زِنْ له أوقيَةً، وزِدْه قِيراطًا"، وهذا من الزِّيادةِ في الثَّمنِ عندَ الوزنِ للأداءِ، أو كانتْ من كَرَمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع جابرٍ، وإعطائِه ثمنَه وافيًا مع الزِّيادةِ للعَطفِ عليه؛ لِكونِ أبيه استُشْهِدَ في أُحُدٍ وتَرك له أخَواتِه، فأراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إعانتَه على ذلك؛ فإنَّه كان حَرِيصًا على أمته بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفا رَحِيمًا، كما ذَكَر اللهُ تعالى عنه.
وفي الحديثِ: بيانُ ما كان في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من سَماحةٍ في البَيعِ والشِّراءِ.
وفيه: بيانُ حُبِّ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: بيانُ عَظيمِ حِرصِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أُمَّتِه وشَفقتِه عليهم، وحُسنِ رِعايتِه لهم.
وفيه: وفيه بيانُ بعضِ دَلائلِ نُبوَّتِه صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: تفقُّدِ الإمامِ والكبيرِ لأصحابِه، وسُؤالِه عمَّا يَنزِلُ بهم، وإعانتُهم بما تيسَّر مِن حالٍ، أو مالٍ، أو دعاءٍ.
وفيه: توقير التابع لرئيسه.