الموسوعة الحديثية


- ما رأيتُ أحدًا أَشْبَهَ سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسولِ اللهِ في قيامِها وقعودِها من فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت وكانت إذا دَخَلَتْ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام إليها فقَبَّلَها وأَجْلَسَها في مَجْلِسِهِ وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخل عليها قامت من مَجْلِسِها فقَبَّلَتْهُ وأَجْلَسَتْهُ في مَجْلِسِها فلما مَرِضَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَلَتْ فاطمةُ فأَكَبَّتْ عليه فقَبَّلَتْه ثم رَفَعَتْ رأسَها فبَكَتْ ثم أَكَبَّتْ عليه ثم رَفَعَتْ رأسَها فضَحِكَتْ فقلتُ إن كنتُ لَأَظُنَّ أنَّ هذه من أَعْقَلِ نسائِنا فإذا هي من النساءِ فلما تُوُفِّيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قلتُ لها أرأيتِ حين أَكْبَبْتِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَفَعْتِ رأسَكِ فبَكَيْتِ ثم أَكْبَبْتِ عليه فرَفَعَتِ رأسَكِ فضَحِكْتِ ما حَمَلَكِ على ذلك قالت إنِّي إذًا لَبَذِرَةٌ أخبرني أنه مَيِّتٌ من وجعِه هذا فبَكَيْتُ ثم أخبرني أني أَسْرَعُ أهلِه لُحُوقًا به فذاك حينَ ضَحِكْتُ
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3872 | خلاصة حكم المحدث : حسن غريب من هذا الوجه | التخريج : أخرجه أبو داود (5217)، والترمذي (3872) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8369)
لقد تُوفِّي باقي أولادِه في حياتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وكانتْ فاطِمةُ بنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هي الباقيةَ مِن أولادِه بعدَ موتِه، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يُحبُّها ويُكرِمُها وبشَّرَها أنَّها ستكون أسرعَ أهلِه لُحوقًا به، كما في هذا الحَديثِ، حيثُ تقولُ عائشةُ رَضِي اللهُ عنها: "ما رَأيتُ أحَدًا أشبَهَ سَمتًا ودَلًّا وهَدْيًا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في قِيامِها وقُعودِها مِن فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: كانتْ أشَدَّ النَّاسِ شَبهًا بأبيها، والسَّمتُ والدَّلُّ والهديُ كلُّها ذاتُ مَعانٍ مُتقارِبةٍ، تَدُلُّ على الهيئةِ والطَّريقةِ، وقيل: المرادُ بالدَّلِّ: حُسْنُ الشَّمائلِ والوَقارُ، قالتْ عائشةُ رَضِي اللهُ عنها: "وكانت إذا دخَلَت"، أي: فاطمةُ رَضِي اللهُ عنها، "على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قام إليها"، أي: لاستِقْبالِها، "فقَبَّلها، وأجلَسها في مَجلِسِه"، أي: تَكريمًا لها، "وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إذا دخَل عليها قامَتْ مِن مَجلِسِها"، أي: لاستِقبالِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقبَّلَتْه وأجلَسَتْه في مَجلِسِها"، أي: في مَكانِها الَّتي كانَتْ تَجلِسُ فيه تَعظيمًا وتَوقيرًا لأبيها؛ "فلمَّا مَرِض النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: مرَضَه الَّذي مات فيه، "دخَلَت فاطمةُ"، أي: على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فأكَبَّت عليه"، أي: مالتْ بوَجهِها عليه وهو مُستَلْقٍ في مرَضِه، "فقبَّلَته ثمَّ رفَعَتْ رأسَها فبكَتْ، ثمَّ أكَبَّت عليه"، أي: مرَّةً ثانيةً، "ثمَّ رفَعَت رأسَها؛ فضَحِكَتْ"، قالت عائشةُ رَضِي اللهُ عنها: "فقلتُ: إنْ كنتُ لأَظُنُّ أنَّ هذه"، أي: فاطمةَ رَضِي اللهُ عنها، "مِن أعقَلِ نِسائِنا"، أي: مِن أرجَحِهنَّ عَقلًا لِمَا تُعرَف به، "فإذا هي مِن النِّساءِ"، أي: مِثلُها مِثلُ باقي النِّساءِ؛ وذلك لأنَّها تَضحَكُ في تلك الحالةِ الَّتي عليها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
قالت عائشةُ رَضِي اللهُ عنها: "فلمَّا تُوفِّي النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قلتُ لها: أرأيتِ حين أكْبَبْتِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فرَفَعتِ رأسَكِ فبكَيتِ، ثمَّ أكبَبْتِ عليه فرفَعتِ رأسَكِ، فضَحِكْتِ، ما حملَكِ على ذلك؟"، أي: على البكاءِ والضَّحِكِ، قالت فاطمةُ رَضِي اللهُ عنها: "إنِّي إذًا لَبَذِرَةٌ"، أي: مُفشِيَةٌ لِسرِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، والبَذِرُ: الَّذي يُفْشي السِّرَّ ويُظهِرُ ما يَسمَعُه، "أخبَرني"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "أنَّه ميتٌ مِن وجَعِه هذا"، والوجَعُ: المرضُ، "فبكَيتُ"، أي: لِمَوتِه، "ثمَّ أخبَرني أنِّي أسرَعُ أهلِه لُحوقًا به"، أي: أوَّلُ مَن يَلحَقُ به في الموتِ، "فذاك حين ضَحِكتُ"، أي: ضَحِكتُ فرَحًا للُحُوقِها بأبيها، وماتَتْ بالمدينَةِ بعدَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بسِتَّةِ أشهُرٍ، وقيلَ بثَلاثَةِ أَشهُرٍ، وكان لها مِن العُمرِ ثَمانٍ وعِشرونَ سَنَةً، وغَسَّلَها عَلِيٌّ وصلَّى عَليها، ودُفِنَت ليلًا رضِيَ اللهُ عنها وأرْضاهَا.