الموسوعة الحديثية


- كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا صلَّى العَصرَ همسَ والهمسُ في قولِ بعضِهِم تحرُّكُ شَفتيهِ كأنَّهُ يتَكَلَّمُ فقيلَ لَهُ : إنَّكَ يا رسولَ اللَّهِ إذا صلَّيتَ العصرَ هَمستَ ؟ قالَ : إنَّ نبيًّا منَ الأنبياءِ كانَ أُعْجِبَ بأمَّتِهِ فقالَ : مَن يقومُ لِهَؤلاءِ ؟ فأوحى اللَّهُ إليهِ أن خيِّرهم بينَ أن أنتقِمَ منهم وبينَ أن أسلِّطَ عليهِم عدوَّهُم ، فاختاروا النِّقمةَ ، فسلَّطَ عليهِمُ الموتَ ، فماتَ منهُم في يومٍ سبعونَ ألفًا قالَ : وَكانَ إذا حدَّثَ بِهَذا الحديثِ حدَّثَ بِهَذا الحديثِ الآخرِ كانَ مَلِكٌ منَ الملوكِ وَكانَ لذلِكَ الملِكِ كاهنٌ يَكْهنُ لَهُ ، فقالَ الكاهنُ : انظُروا إليَّ غلامًا فَهِمًا أو قالَ : فطنًا لقِنًا فأعلِّمَهُ عِلمي هذا ، فإنِّي أخافُ أن أموتَ فينقَطعَ منكُم هذا العلمُ ، ولا يَكونَ فيكم من يعلمُهُ . قالَ : فنظروا لَهُ على ما وصفَ ، فأمروهُ أن يَحضرَ ذلِكَ الكاهنَ وأن يختلفَ إليهِ ، فجعلَ يختلفُ ، إليهِ وَكانَ على طريقِ الغلامِ راهبٌ في صومعةٍ قالَ معمرٌ : أحسَبُ أنَّ أصحابَ الصَّوامعِ كانوا يومئذٍ مسلِمينَ قالَ : فجعلَ الغلامُ يسألُ ذلِكَ الرَّاهبَ كلَّما مرَّ بِهِ ، فلم يزَلْ بِهِ حتَّى أخبرَهُ ، فقالَ : إنَّما أعبدُ اللَّهَ . قالَ : فجعلَ الغلامُ يمكثُ عندَ الرَّاهبِ ويبطئُ عنِ الكاهنِ ، فأرسلَ الكاهنُ إلى أَهْلِ الغلامِ أنَّهُ لا يَكادُ يحضرُني ، فأخبرَ الغلامُ الرَّاهبَ بذلِكَ ، فقالَ لَهُ الرَّاهبُ : إذا قالَ لَكَ الكاهنُ : أينَ كنتَ ؟ فقل : عندَ أَهْلي ، وإذا قالَ لَكَ أَهْلُكَ : أينَ كنتَ ؟ فأخبرهم أنَّكَ كنتَ عِندَ الكاهنِ . قالَ : فبينَما الغلامُ على ذلِكَ إذ مرَّ بجماعةٍ منَ النَّاسِ كثيرٍ قد حبَسَتهم دابَّةٌ ، فقالَ بعضُهُم : إنَّ تلكَ الدَّابَّةَ كانت أسَدًا . فأخذَ الغلامُ حجَرًا فقالَ : اللَّهمَّ إن كانَ ما يقولُ الرَّاهبُ حقًّا فأسألُكَ أن أقتُلَها . قالَ : ثمَّ رمى فقَتلَ الدَّابَّةَ . فقالَ النَّاسُ : مَن قتلَها ؟ قالوا : الغلامُ ، ففزعَ النَّاسُ فقالوا : قد علِمَ هذا الغلامُ عِلمًا لم يعلَمهُ أحدٌ . قالَ : فسمعَ بِهِ أعمى ، فقالَ لَهُ : إن أنتَ رددتَ بصري فلَكَ كذا وَكَذا . قالَ له : لا أريدُ منكَ هذا ، ولَكِن أرأيتَ إن رجعَ إليكَ بصرُكَ ، أتؤمنُ بالَّذي ردَّهُ عليكَ ؟ قالَ : نَعم . قالَ : فدعا اللَّهَ فردَّ عليهِ بصرَهُ ، فآمنَ الأعمَى ، فبلغَ الملِكَ أمرُهُم ، فبعثَ إليهم ، فأتيَ بِهِم ، فقالَ : لأقتلنَّ كلَّ واحدٍ منكم قِتلةً لا أقتلُ بِها صاحبَهُ ، فأمرَ بالرَّاهبِ والرَّجلِ الَّذي كانَ أعمى فوَضعَ المنشارَ على مفرقِ أحدِهِما فقتلَهُ ، وقتلَ الآخرَ بقتلةٍ أخرى . ثمَّ أمرَ بالغلامِ ، فقالَ : انطلِقوا بِهِ إلى جبلِ كذا وَكَذا فألقوهُ من رأسِهِ ، فانطلقوا بِهِ إلى الجبلِ ، فلمَّا انتَهَوا إلى ذلِكَ المَكانِ الَّذي أرادوا أن يلقوهُ منهُ جَعلوا يتَهافتونَ من ذلِكَ الجبلِ ويتردَّونَ ، حتَّى لم يبقَ منهم إلَّا الغلامُ . قالَ : ثمَّ رجعَ ، فأمرَ بِهِ الملِكُ أن ينطلِقوا بِهِ إلى البَحرِ فيلقونَهُ فيهِ ، فانطلقَ بِهِ إلى البحرِ ، فغرَّقَ اللَّهُ الَّذينَ كانوا معَهُ وأنجاهُ ، فقالَ الغلامُ للملِكِ : إنَّكَ لا تَقتلُني حتَّى تصلُبَني وترميَني وتقولَ إذا رميتَني : بسمِ اللَّهِ ربِّ هذا الغلامِ . قالَ فأمرَ بِهِ ، فصلبَ ، ثمَّ رماهُ ، فقالَ : بسمِ اللَّهِ ربِّ هذا الغلامِ . قالَ : فوضعَ الغلامُ يدَهُ على صدغِهِ حينَ رميَ ، ثمَّ ماتَ ، فقالَ أُناسٌ : لقد علِمَ هذا الغلامُ علمًا ما علمَهُ أحدٌ ، فإنَّا نُؤمنُ بربِّ هذا الغلامِ . قالَ : فقيلَ للملِكِ أجزَعتَ أن خالفَكَ ثلاثةٌ ، فَهَذا العالَمُ كلُّهم قد خالفوكَ . قالَ : فخدَّ أخدودًا ثمَّ ألقى فيها الحطبَ والنَّارَ ، ثمَّ جمعَ النَّاسَ . فقالَ : مَن رجعَ عن دينِهِ ترَكْناهُ ، ومن لم يرجِعْ ألقيناهُ في هذِهِ النَّارِ ، فجعلَ يُلقيهم في تلكَ الأخدودِ . قالَ : يقولُ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى فيهِ : قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ حتَّى بلغَ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ قالَ : فأمَّا الغلامُ فإنَّهُ دُفِنَ قالَ : فيذكرُ أنَّهُ أُخْرِجَ في زمنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ وأصبعُهُ على صَدغِهِ كما وضعَها حينَ قُتِلَ
الراوي : صهيب بن سنان الرومي | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3340 | خلاصة حكم المحدث : حسن غريب

كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا صلَّى العصرَ همسَ - والهمسُ في قَولِ بعضِهِم تحرُّكُ شفتَيهِ كأنَّهُ يتَكَلَّمُ - فقيلَ لَهُ : إنَّكَ يا رسولَ اللَّهِ إذا صلَّيتَ العصرَ هَمستَ ؟ قالَ : إنَّ نبيًّا منَ الأنبياءِ كانَ أُعْجِبَ بأُمَّتِهِ فقالَ : مَن يقومُ لِهَؤلاءِ ؟ فأوحَى اللَّهُ إليهِ أن خَيِّرهُم بينَ أن أنتقمَ منهُم وبينَ أن أُسِلِّطَ علَيهم عَدوَّهُم ، فاختاروا النِّقمةَ ، فسلَّطَ علَيهمُ المَوتَ ، فماتَ منهُم في يَومٍ سَبعونَ ألفًا
الراوي : صهيب بن سنان الرومي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 3340 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رَحيمًا بأُمَّتِه مُشفِقًا يَخْشى عليهِم عَذابَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفي هذا الحَديثِ يقولُ صُهيبُ بنُ سِنانٍ رَضِي اللهُ عَنه: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إذا صلَّى العصرَ"، وفي روايةٍ: "الفجرَ"، "همَس- والهمسُ في قولِ بعضِهم: تحرُّكُ شفَتَيه كأنَّه يتَكلَّمُ"، أي: إنَّه يتكلَّمُ بكلامٍ خفيٍّ، فقيلَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّك يا رسولَ اللهِ إذا صلَّيتَ العصرَ همَسْتَ؟"، أي: يَستفهِمون عن سبَبِ هَمْسِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ نبيًّا من الأنبياءِ كان أُعجِبَ بأمَّتِه، فقال: مَن يقومُ لهؤلاءِ؟"، وفي روايةٍ: "أُعطِيَ جُنودًا مِن قَومِه؟ فقال: مَن يُكافِئُ هؤلاءِ؟"، أي: أُعجِبَ بهم وسَرَّتْه قوَّتُهم، يُشيرُ إلى أنَّه عند إعجابِه بهم لم يَعْزُ قوَّتَهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فأوحى اللهُ إليه"، أي: إلى هذا النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "أنْ خيِّرْهم"، أي: اجعَلْ قومَك يَختارون بينَ: "أن أنتَقِمَ منهم"، أي: بالموتِ، "وبينَ أن أُسلِّطَ عليهم عَدُوَّهم"، أي: يُوقِعَ في صُفوفِهم القتلَ والهزيمةَ، وفي روايةٍ: "إمَّا أن أُسلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن غيرِهم، أو الجوعَ، أو الموتَ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فاختاروا النِّقمةَ"، أي: الموتَ، "فسَلَّط عليهم الموتَ"، أي: فعاقَبَهم بالموتِ، "فمات مِنهم في يومٍ سَبعون ألفًا".
وفي روايةٍ: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه رَضِي اللهُ عَنهم: "فهَمْسي الَّذي ترَوْن أنِّي أقولُ: اللَّهمَّ يا ربِّ، بك أُقاتِلُ، وبك أُصاوِلُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ"، أي: يُرجِئُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حولَه وقوَّتَه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ خشيةَ أن يقَعَ في أمَّتِه مثلُ ما وقَع في أمَّةِ هذا النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ: الإرشادُ إلى نِسبةِ الأُمورِ إلى اللهِ تعالى والتبرُّؤِ من الحَولِ والقوَّةِ، خُصوصًا إذا رأى الإنسانُ ما يُعجِبُه في نفْسِه أو في غَيرِه.