الموسوعة الحديثية


- لمَّا خلقَ اللَّهُ آدمَ مسحَ ظَهرَه فسقطَ من ظَهرِه كلُّ نسمةٍ هوَ خالقُها من ذرِّيَّتِه إلى يومِ القيامةِ وجعلَ بينَ عيني كلِّ إنسانٍ منهم وبيصًا من نورٍ ثمَّ عرضَهم علَى آدمَ فقالَ أي ربِّ من هؤلاءِ قالَ هؤلاءِ ذرِّيَّتُك فرأى رجلًا منهم فأعجبَه وبيصُ ما بينَ عينيهِ فقالَ أي ربِّ من هذا فقالَ هذا رجلٌ من آخرِ الأممِ من ذرِّيَّتِك يقالُ لَه داودُ فقالَ ربِّ كم جعلتَ عمرَه قالَ ستِّينَ سنةً قالَ أي ربِّ زدهُ من عمري أربعينَ سنةً فلمَّا قضيَ عمرُ آدمَ جاءَه ملَك الموتِ فقالَ أولم يبقَ من عمري أربعونَ سنةً قالَ أولم تعطِها ابنَك داودَ قالَ فجحدَ آدمُ فجحدت ذرِّيَّتُه ونسِّيَ آدمُ فنسِّيت ذرِّيَّتُه وخطئَ آدمُ فخطئت ذرِّيَّتُه
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3076 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (3076) واللفظ له، والبزار (8892)، وأبو يعلى (6654)
خلَق اللهُ تعالى آدَمَ عليه السَّلامُ بيَدِه، وكَرَّمَه وأسجَد له مَلائِكتَه، وخلَق مِنه حوَّاءَ وجعَل مِنهما الذُّريَّةَ والنَّسلَ وأجرى عليهِم المقاديرَ بحِكمَتِه، وكما فعَل آدمُ عليه السَّلامُ فعَلَتْ ذرِّيَّتُه مِن بَعدِه؛ مِن النِّسيانِ وغيرِ ذلك، كما يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الحديثِ: "لَمَّا خلَق اللهُ آدمَ"، أي: انتَهى مِن خِلْقتِه، ونفَخ فيه الرُّوحَ، "مسَح ظهرَه"، أي: ظهْرَ آدمَ، "فسقَط"، أي: خرَج، "مِن ظَهرِه كلُّ نَسَمةٍ هو خالِقُها مِن ذُرِّيَّتِه إلى يومِ القيامةِ"، قيل: مِثالُه وأمثلةُ أولادِه في عالَمِ الغيبِ، والنَّسَمةُ: كلُّ ذي رُوحٍ ونفْسٍ، وهم ذُرِّيَّةُ آدمَ، "وجعل بينَ عينَيْ كلِّ إنسانٍ"، أي: في موضِعِ جَبهتِه، "مِنهم"، أي: مِن هذه النَّسَمِ والذَّرِّ الَّذي كان على صورةِ الإنسانِ، "وَبِيصًا"، أي: لَمَعانًا وبَرْقًا، "من نورٍ"، إشارةً إلى الفِطرةِ السَّليمةِ، "ثمَّ عرَضهم"، أي: عرَض اللهُ تعالى هذه النَّسَمَ، "على آدمَ"، فقال آدَمُ عليه السَّلامُ: "أيْ ربِّ، مَن هؤلاءِ؟"، أي: الَّذين عرَضتَهم علَيَّ، فقال اللهُ تعالى لآدمَ: "هؤلاء ذُرِّيَّتُك"، أي: نَسْلُكَ الَّذين سيَجيئون مِن بَعدِك، "فرأَى" آدمُ عليه السَّلامُ، "رجُلًا مِنهم"، أي: مِن هذه النَّسَمِ وهذا الذَّرِّ، "فأعجَبَه وَبيصُ"، أي: النَّورُ والبرقُ واللَّمعانُ الَّذي "ما بينَ عينَيْه"، فقال آدمُ عليه السَّلامُ: "أيْ ربِّ، مَن هذا؟"، أي: الرَّجلُ الَّذي أعجَبه نورُه، فقال اللهُ تعالى لآدَمِ عليه السَّلامُ: "هذا رَجُلٌ مِن آخِرِ الأُمَمِ"، وفيه: إشارةٌ إلى كَثْرةِ الأُممِ، "مِن ذرِّيَّتِك، يُقالُ له"، أي: إنَّ اسْمَه: "داودُ"، فقال آدَمُ عليه السَّلامُ: "ربِّ، كم جعَلتَ عُمرَه؟"، أي: ما مِقْدارُ عُمرِه وكم سيَعيشُ؟ فقال اللهُ تعالى: "ستِّين سنَةً"، قال آدمُ عليه السَّلامُ: "أيْ ربِّ، زِدْه مِن عُمري"، أي: زِدْ له في عُمرِه، "أربَعين سنَةً"، وبذلك يكونُ عُمرُ داودَ عليه السَّلامُ مِئةَ سَنةٍ.
قال: "فلمَّا قُضي عمرُ آدمَ"، أي: انتَهى وجاء أجَلُه، بعدَ نَقْصِ ما وهَبَه لداودَ، "جاءَه ملَكُ الموتِ"، أي: لِيَقبِضَ روحَه، فقال آدمُ عليه السَّلامُ: "أوَلَم يَبْقَ مِن عُمري أربَعون سنةً؟"، وهي المدَّةُ الَّتي زادها في عُمرِ داودَ فنُقِصَت مِن عُمرِه، قال ملَكُ الموتِ: "أوَلَم تُعطِها ابنَك داودَ" عليه السَّلامُ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فجَحَد"، أي: أنكَر آدَمُ، وفيه: إشارةٌ إلى أنَّ آدَم عليه السَّلامُ لم يَتذكَّرْ سَريعًا ما نَسِيَه، بل رُبَّما ظهَر منه ما يُنكِرُ ما يُذكِّرُه به الملَكُ، "فجحَدَت ذُرِّيَّتُه"، أي: فأنكَرَت مِثلَه ذُرِّيَّتُه مِن بَعدِه، "ونَسِيَ"، أي: آدَمُ عليه السَّلامُ، "فنَسِيَت ذُرِّيَّتُه"، أي: بمِثلِ ما نَسِيَ آدَمُ عليه السَّلامُ، "وخَطِئَ آدمُ"، أي: عَصى ربَّه لَمَّا نَهاه عن الأَكلِ مِن الشَّجرةِ، "فخَطِئَت ذُرِّيَّتُه"، أي: عصَتْ ذُرِّيَّةُ آدمَ عليه السَّلامُ مِن بَعدِه؛ وذلك لأنَّ الولَدَ تابِعٌ لأبيه.