الموسوعة الحديثية


- ألم أخبر أنَّكَ تصومُ ولاَ تفطرُ وتصلِّي اللَّيلَ فلاَ تفعل فإنَّ لعينِكَ حظًّا ولنفسِكَ حظًّا ولأَهلِكَ حظًّا وصم وأفطر وصلِّ ونم وصم من كلِّ عشرةِ أيَّامٍ يومًا ولَكَ أجرُ تسعةٍ . قالَ إنِّي أقوى لذلِكَ يا رسولَ اللَّه. قالَ: صم صيامَ داودَ إذًا. قالَ وَكيفَ كانَ صيامُ داودَ يا نبيَّ اللَّهِ؟ قالَ: كانَ يصومُ يومًا ويفطرُ يومًا ولاَ يفرُّ إذا لاقى
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 2400 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه النسائي (2401) واللفظ له، وأخرجه البخاري (1977) بلفظ مقارب، ومسلم (1159) باختلاف يسير
وضَع الإسلامُ لكلِّ عبادةٍ ضَوابطَ وأحكامًا راعَى فيها المواءَمةَ بينَ أركانِ الحياةِ البشريَّةِ للإنسانِ؛ فجعَل للعبادةِ مَواقيتَ مُحدَّدةً في اليومِ واللَّيلةِ وعلى مَدارِ العامِ، وأمَر المسلِمين بأن يَأخُذوا حظَّهم مِن الدُّنيا ولا يَنسَوْا حقَّ اللهِ في العِبادةِ؛ فوازَن بينَ حياةِ الجسَدِ وحياةِ القلوبِ والأرواحِ.
وفي هذا الحديثِ بيانٌ لذلك، حيثُ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رضي الله عنهما: "بلَغ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنِّي أصومُ أَسرُدُ"، أي: أُواصِلُ صِيامَ كلِّ الأيَّامِ، ولا أَفصِلُ بينَها بفِطْرِ بعضِها، "وأصلِّي اللَّيلَ"، أي: أصلِّي وأقومُ اللَّيلَ كلَّه، قال: "فإمَّا أرسَل إليَّ، وإمَّا لَقيتُه"، أي: يَشُكُّ عبدُ اللهِ هل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أرسل إليه يَستَدْعيه أم أنَّه قابَلَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُصادَفةً، فقال له النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "ألم أُخبَرْ أنَّك تصومُ ولا تُفطِرُ، وتُصلِّي اللَّيلَ؟! فلا تَفعَلْ"، أي: فلا تفعَلِ العبادةَ بهذه الطَّريقةِ المتواصلةِ، ثمَّ بيَّن له العِلَّةَ، فقال: "فإنَّ لِعَينِك حَظًّا، ولِنَفسِك حظًّا"، أي: إنَّ لَهم نَصيبًا مِن الرِّفقِ بهما، ومُراعاةِ حقِّهما، "ولأهلِك حظًّا"، أي: لِزَوجتِك وأولادِك وقَرابتِك، وأمَّا حقُّ الزَّوجةِ فهو في الوَطْءِ والمعاشرةِ الحَسَنةِ، وأمَّا الأولادُ والقَرابةُ فحقُّهم هو في الرِّفقِ بهم، والإنفاقِ عليهم، ومُؤاكَلتِهم وتَأنيسِهم، ومُلازَمةُ ما الْتزَمه مِن سَرْدِ الصَّومِ، وقيامِ اللَّيلِ يُؤدِّي إلى امتناعِ تلك الحقوقِ كلِّها.
ثمَّ أرشَده النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: "وصُمْ وأفطِرْ، وصَلِّ ونَمْ، وصُمْ مِن كلِّ عشَرةِ أيَّامٍ يومًا ولك أجْرُ تسعةٍ"، وهذا في المعنى مُوافِقٌ لرِوايةِ الصَّحيحَينِ الَّتي قال فيها: "صُمْ مِن كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ فإنَّ الحسَنةَ بعَشْرِ أمثالِها".
قال عبدُ اللهِ: "إنِّي أَقْوى لذلك يا رسولَ اللهِ، قال: صُمْ صِيامَ داودَ إذنْ، قال: وكيف كان صِيامُ داودَ يا نبيَّ اللهِ؟ قال: كان يصومُ يومًا ويُفطِرُ يَومًا"، وهذا تَنبيهٌ مِن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أنَّ صومَ يومٍ وإفطارَ يومٍ لا يُضعِفُ مُلتَزِمَه، بل يَحفَظُ قُوَّتَه، وذلك بخِلافِ سَرْدِ الصَّومِ؛ فإنَّه يُنهِكُ البدَنَ والقوَّةَ، ويُزيلُ رُوحَ الصَّومِ؛ لأنَّه يَعتادُه، فلا يُبالي به، ولا يَجِدُ له معنًى، "ولا يَفِرُّ إذا لاقَى"، أي: لا يَفِرُّ مِن العَدوِّ إذا لَقِيَه في الحربِ؛ لقُوَّةِ نفْسِه بما أبقَى فيها في غيرِ إنهكاكٍ لها بصومٍ أو ترْكِ النومِ.
وفي الحديثِ: الأمرُ بالتَّرفُّقِ في العِبادةِ، مع المحافَظةِ عليها وعلى الفرائضِ والنَّوافلِ؛ لِيُراعِيَ المسلِمُ حُقوقَ غيرِه عليه.
وفيه: أنَّ الحُقوقَ إذا تعارَضَت قُدِّمَ الأَوْلى على غيرِه .