الموسوعة الحديثية


- مَن أقامَ الصَّلاةَ ، وآتى الزَّكاةَ ، وماتَ لا يشرِكُ باللَّهِ شيئًا ، كانَ حقًّا على اللَّهِ عزَّ وجلَّ أن يغفِرَ لَهُ هاجرًا وماتَ في مولدِهِ فقُلنا : يا رسولَ اللَّهِ ، ألا نخبرُ بِها النَّاسَ فيستبشِروا بِها ؟ فقالَ : إنَّ للجنَّةِ مائةَ درجةٍ ، بينَ كلِّ درجتينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ ، أعدَّها اللَّهُ للمجاهِدينَ في سبيلِهِ ، ولولا أن أشقَّ على المؤمنينَ ، ولا أجدُ ما أحملُهُم علَيهِ ، ولا تَطيبُ أنفسُهُم أن يتخلَّفوا بعدي ، ما قعدتُ خلفَ سريَّةٍ ، ولوَدِدْتُ أن أُقتَلُ ، ثمَّ أُحيا ، ثمَّ أُقتَلُ
الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 3132 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
لقد بَيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للنَّاسِ سُبلَ الخَيرِ كلَّها وبين فَضلَها؛ ومِن ذلك إقامَةُ فرائضِ الدِّينِ، والجِهادُ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو الدَّرداءِ رَضِي اللهُ عَنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه قال: "مَن أقام الصَّلاةَ"، أي: على وَقتِها، مراعيًا آدابَها، "وآتَى الزَّكاةَ"، أي: على الوَجهِ الَّذي فُرضَتْ عليه، "ومات لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا"، أي: ماتَ موحِّدًا لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا في عِبادتِه ولا في أسمائِه وصِفاتِه ورُبوبيَّتِه؛ فلمْ يَعتقِدْ أنَّ أحدًا غَيرَ اللهِ له أيُّ صِفةٍ مِن صِفاتِ الرُّبوبيَّة كالخَلقِ والرَّزْقِ والتَّدبيرِ وغيرِ ذلك، ولم يَصرِفْ أيَّ عِبادةٍ- كالدُّعاءِ والاستعاذةِ والنَّذرِ والذَّبحِ وغيرِ ذلك- لغيرِ اللهِ سُبحانَه، "كان حَقًّا على اللهِ عزَّ وجلَّ أنْ يَغفِرَ له"، أي: ما تَقدَّم مِن ذَنبِه، "هاجَرَ أو مات في مَولِدِه"، أي: يغفِرُ اللهُ عزَّ وجلَّ له، سواءٌ خرَج مُهاجِرًا إلى المدينَةِ، أو مات في مَوطِنِه.
قال أبو الدَّرداءِ رَضِي اللهُ عَنه: "فقلنا: يا رسولَ اللهِ، ألَا نُخبِرُ بها النَّاسَ فيَستبشِروا بها؟"، أي: يَفرَحوا بما لهم مِن جَزاءٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ للجَنَّةِ مِئةَ درَجَةٍ"، أي: مِئةَ مَنزِلةٍ، "بين كلِّ درَجَتَين كما بين السَّماءِ والأرضِ"، وهذا بيانٌ لعَظيمِ المنزلَةِ الَّتي يَتحصَّلُ عليه العَبدُ، "أعدَّها اللهُ للمجاهِدين في سَبيلِه"، أي: جَعَلها اللهُ عزَّ وجلَّ جزاءً وثوابًا لِمن يُجاهِدُ في سَبيلِه، قيل: والكلامُ علَّةٌ لمَحذوفٍ، أي: لا تُخبِروهم بهذه الفَضيلةِ؛ لأنَّه ليس المطلوبُ المغفِرةَ فقَط، بل تَحصيلُ الدَّرجاتِ العاليَةِ أيضًا مَطلوبٌ؛ لكيلا تُقْصَرَ الهمَّةُ على مجرَّدِ دخولِ الجنَّةِ، فيُحرَموا مِن تلك الدَّرجاتِ، "ولولا أنْ أشُقَّ على المؤمنين"، أي: لولا مَخافةُ وقوعِهم في الشِّدَّةِ والحرَجِ، "ولا أجِدُ ما أحمِلُهم عليه"، أي: ولكنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لا يَخرُجُ للجِهادِ حِرصًا منه على أصحابِه رَضِي اللهُ عَنهم ألَّا يجِدَ ركائبَ ودَوابَّ يَحمِلُهم عليها في الغَزوِ، فيَسيروا معه مُترجِّلين، "ولا تَطيبُ أنفسُهم أنْ يَتخلَّفوا بَعدي"، أي: أو يَحزَنوا لتَركِهم وخُروجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى الغَزوِ دُونَهم، "ما قعدتُ خَلفَ سَريَّةٍ"، أي: إنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وَدَّ لو خرَج للجِهادِ مُحصِّلًا لتلك الدَّرجاتِ، لكنَّه قعَدَ خلْفَ بعضِ السَّرايا ولم يَخرُج؛ لأنَّه لم يجِدْ ما يَحمِلُ الصَّحابةَ الذين لا تَطيبُ أنفسُهم بالتخلُّفِ عن الغزوِ معه صلَّى الله عليه وسلَّم، "ولوَدِدتُ أنِّي أُقتَلُ"، أي: في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "ثمَّ أُحْيا، ثمَّ أُقتَلُ"، أي: لتَحصيلِ أَجرِ الشَّهيدِ والازديادِ منه.
وفي الحديثِ: بيانُ شفقَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ورِفقِه بأمَّتِه، وأنَّه يَترُكُ بعضَ أعمالِ البِرِّ؛ خشيَةَ أنْ يَتكلَّفوه، فيَشُقَّ عليهم.
وفيه: تَعظيمُ أمرِ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: بيانُ تعدُّدِ أعمالِ الخَيرِ والبِرِّ الَّتي تؤدِّي إلى المغفرَةِ .