الموسوعة الحديثية


- كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا صلَّى العصرَ ، ذَهَبَ إلى بَني عبدِ الأشهلِ فيتحدَّثُ عندَهُم حتَّى ينحَدرَ للمَغربِ قالَ أبو رافعٍ : فبينَما النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يسرعُ إلى المغربِ مَرَرنا بالبقيعِ فقالَ : أفٍّ لَكَ . أفٍّ لَكَ . قالَ : فَكَبرَ ذلِكَ في ذَرعي ، فاستأخَرتُ وظننتُ أنَّهُ يريدُني فقالَ : ما لَكَ امشِ . فقلتُ : أحدَثتُ حدثًا ؟ قالَ : ما ذاكَ ؟ قلتُ : أفَّفتَ بي ؟ قالَ : لا . ولَكِن هذا فلانٌ بَعثتُهُ ساعيًا على بَني فلانٍ فغلَّ نَمِرةً فدُرِّعَ الآنَ مثلَها من نارٍ
الراوي : أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 861 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
حرَّمَ اللهُ تعالى أَخْذَ أموالِ المُسلِمينَ بغَيرِ حقٍّ؛ فحرَّمَ السَّرقةَ والغَصْبَ والغُلولَ؛ ليحفَظَ على المُسلِمينَ أموالَهم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو رافعٍ مولَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إذا صلَّى العصرَ"، أي: في مسجدِه، "ذهَب"، أي: في بَعضِ الأحيانِ، "إلى بني عبدِ الأَشْهَلِ"، وهم بطنٌ وعَشيرةٌ مِن عشَائرِ الأنصارِ، فيتحدَّثُ عندَ بني عبدِ الأَشْهَلِ، ويظَلُّ عندَهم إلى قُرْبٍ مِن وَقتِ المغرِبِ، "حتَّى يَنحدِرَ للمغرِبِ"، أي: يَرجِعَ ليُدرِكَ المغرِبَ بمسجدِه.
قال أبو رافعٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فبينما النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُسرِعُ إلى المغرِبِ"، أي: ليلحَقَ به ويُدرِكَ إمامتَه في النَّاسِ، "مرَرْنا بالبَقِيعِ"، وهو مكانٌ بجوارِ المسجِدِ النَّبويِّ مِن جهةِ الشَّرقِ، وبه مَقبرةُ أهلِ المدينةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عندما مَرَّ بالبَقيعِ: "أُفٍّ لكَ، أُفٍّ لكَ"، وهي كلمةٌ تُقالُ عند الإنكارِ والكراهيَةِ وإظهارِ الغضَبِ والسُّخْطِ، قال أبو رافعٍ: "فكبُرَ ذلك في ذَرْعي"، أي: عظُمَ ذلِك في طاقَتي ووُسْعي، وشَقَّ عليَّ، "فاستأخَرْتُ، وظنَنْتُ أنَّه يُريدُني"، أي: تأخَّرَ أبو رافِعٍ عن مُحاذاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم والقُرْبِ منه؛ ظنًّا منه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وجَد فيه ما يكرَهُ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عند ذلكَ: "ما لكَ؟ امشِ"، أي: ما سببُ تأخُّرِكَ؟ مستعجِلًا له في أن يُقارِبَه حالَ إسراعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال أبو رافعٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أحدَثْتُ حَدَثًا؟"، أي: هل فعَلْتُ شيئًا؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما ذاكَ؟"، أي: ما تَقصِدُ؟ أو: لِمَ تقولُ ذلكَ؟ قال أبو رافعٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أفَّفْتَ بي؟"، أي: هل قلتَ لي: أُفٍّ لكَ لفِعْلٍ فعَلْتُه؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا"، أي: لم يكُنِ التَّأفُّفُ لكَ، ثمَّ بيَّنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سبَبَ تأفُّفِه، فقال: "ولكِنْ هذا فُلانٌ"، أي: مُشيرًا لأحَدِ المَقْبورينَ، "بعَثْتُه ساعيًا على بني فُلانٍ"، أي: أرسَلْتُه جالبًا لصَدَقاتِهم وزَكاتِهم، "فغَلَّ"، أي: أخَذَ وخانَ، مِن الغُلولِ، وهو الأَخْذُ مِن الغَنيمةِ وغيرِها خُفْيَةً قبْلَ قِسمَتِها، "نَمِرَةً"، وهو ثَوبٌ مُخطَّطٌ مِن صُوفٍ أو غيرِه، "فَدُرِّعَ الآنَ مِثْلَها مِن نارٍ"، أي: كان جزاؤُه مِن جِنسِ عمَلِه؛ فأُلبِسَ وهو في قبرِه دِرْعًا مِن نارٍ؛ فهذا هو الذي تأفَّفَ منه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ: إثباتُ عذابِ القَبْرِ.
وفيه: التَّحذيرُ والتَّرهيبُ مِن الغُلولِ قَبلَ القِسمَةِ.
وفيه: بيانُ ما كان عندَ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم مِن التَّواضُعِ والاحترامِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم .