الموسوعة الحديثية


- خرَجنا وفد إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فبايَعناهُ ، وصلَّينا معَهُ ، وأخبرناهُ أنَّ بأرضِنا بيعةً لَنا ، فاستَوهبناهُ مِن فضلِ طَهورِهِ فدعا بماءٍ فتوضَّأَ وتمضمَضَ ، ثمَّ صبَّهُ في إداوةٍ وأمرَنا فقالَ : اخرُجوا فإذا اتيتُمْ أرضَكُم فاكسِروا بيعتَكُم وانضَحوا مَكانَها بِهَذا الماءِ واتَّخِذوها مسجدًا قُلنا : إنَّ البلدَ بعيدٌ ، والحرَّ شديدٌ ، والماءَ ينشَفُ فقالَ : مدُّوهُ منَ الماءِ ؛ فإنَّهُ لا يزيدُهُ إلَّا طِيبًا
الراوي : طلق بن علي الحنفي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 700 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
كانَتِ القَبائلُ تُرسِلُ الوُفودَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ ليُبايعوه نِيابةً عن قومِهم، ويسأَلوه عمَّا أشكَلَ عليهم، ويَتعلَّموا منه؛ لكي يُبلِّغوا قومَهم.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ طَلْقُ بنُ عليٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "خرَجْنا وَفْدًا"، وهم الَّذين يَقصِدونَ الأُمَراءَ للزِّيارةِ، أو ليُسلِمُوا على يَدِه ويُبايِعوه، وكانوا سِتَّةً؛ خمسةٌ مِن بني حَنِيفةَ، منهم طَلْقُ بنُ عليٍّ، ورجُلٌ مِن بني ضُبَيْعَةَ بنِ ربيعةَ، "إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: قاصِدينَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فبايَعْناه"، أي: عاهَدْناه، والمُبايَعةُ هي المُعاهَدةُ؛ مأخوذةٌ مِن البيعِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ مِن المُتبايِعَيْنِ كان يَمُدُّ يدَه إلى صاحبِه، وكذا هذه البَيعةُ تكونُ بأخذِ الكفِّ، والمقصودُ هنا المُعاهَدةُ على الإسلامِ، والسَّمعِ والطَّاعةِ، "وصلَّيْنا معه"، أي: مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الصَّلواتِ الخَمْسَ مُقتدِين به، "وأخبَرْناه"، أي: النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "أنَّ بأرضِنا"، وهي اليَمَامةُ، "بِيعةً لنا"، أي: مَعبَدًا للنَّصارى كانوا يتعبَّدونَ فيه، "فاستوهَبْناه مِن فَضْلِ طَهُورِه"، أي: طلَبْنا منه أن يُعطِيَنا على سبيلِ الهِبَةِ ما سقَط مِن ماءِ وُضوئِه مِن أعضائِه الشَّريفةِ، "فدعا"، أي: طلَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "بماءٍ فتوضَّأَ"، أي: وُضوءًا كاملًا، "وتمضمَضَ" أثناءَ الوُضوءِ أو بعدَه، والمضمَضَةُ: هي إدارةُ الماءِ في الفَمِ، ثمَّ إلقاؤُه، "ثمَّ صَبَّه في إداوةٍ"، أي: حفِظَه لهم داخلَ الإداوةِ، وهي إناءٌ صَغيرٌ يُصنَعُ مِن الجِلْدِ.
قال طَلْقٌ رَضِي اللهُ عَنه: وأمَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقال: "اخرُجوا"، أي: اذهَبوا إلى بلادِكم، "فإذا أتَيْتُم"، أي: وصَلْتُم وبلَغْتُم، "أرضَكم"، أي: ديارَكم الَّتي باليمَامةِ، "فاكسِروا"، أي: اهدِموا، "بِيعَتَكم"، أي: المعبَدَ الَّذي كنتم تتعبَّدونَ فيه في الجاهليَّةِ، "وانضِحُوا"، أي: بُلُّوا ورُشُّوا، "مكانَها"، أي: مكانَ البِيعةِ والمعبَدِ، "بهذا الماءِ" الَّذي هو معكم في الإداوةِ؛ لإزالةِ النَّجاسةِ وأثرِ الشِّركِ، وللتَّبرُّكِ به، "واتَّخِذوها"، أي: هذا المكانَ الَّذي كان به البِيعةُ والمعبَدُ، "مسجِدًا"، أي: ابنُوا مسجِدًا في هذا المكانِ، "قُلْنا"، أي: قال طَلْقُ بنُ عليٍّ ومَن معه مِن الوَفْدِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ البلدَ بَعيدٌ، والحَرَّ شديدٌ، والماءَ"، أي: الَّذي أعطَيْتَنا إيَّاه، "يُنشَفُ"، أي: يذهَبُ ويتبخَّرُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مُدُّوه"، أي: زِيدوا وأضِيفوا عليه، "مِن الماءِ" الَّذي معكم مِن قِرَبِكم؛ "فإنَّه"، أي: فَضْلَ الوَضوءِ والمضمضَةِ الَّتي أعطيتُها لكم، "لا يَزيدُه"، أي: لا يَزيدُ الماءَ المُضافَ إليه، "إلَّا طِيبًا" ببَركتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: تحويلُ البِيَعِ ومَعابِدِ أهلِ الكِتابِ إلى مَساجِدَ؛ تَغييرًا لأثرِ الشِّركِ.
وفيه: التَّبرُّكُ بآثارِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: أنَّ خَلْطَ الماءِ المبارَكِ كماءِ زَمزَمَ بماءٍ آخَرَ لا يُخرِجُه عن خاصيتِه في البَركةِ؛ إذ بَركتُه تعودُ على الماءِ الجديدِ .