الموسوعة الحديثية


- بينما أنا جالسٌ معَ أبي هريرةَ جاءتْهُ امرأةٌ فارسيَّةٌ معها ابنٌ لها فادَّعياهُ وقد طلَّقها زوجُها فقالت يا أبا هريرةَ ورطنت لهُ بالفارسيَّةِ زوجي يريدُ أن يذهبَ بابني فقالَ أبو هريرةَ استهما عليهِ ورطنَ لها بذلكَ فجاءَ زوجُها فقالَ من يحاقُّني في ولدي فقالَ أبو هريرةَ اللَّهمَّ إنِّي لا أقولُ هذا إلَّا أنِّي سمعتُ امرأةً جاءت إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأنا قاعدٌ عندَهُ فقالت يا رسولَ اللَّهِ إنَّ زوجي يريدُ أن يذهبَ بابني وقد سقاني من بئرِ أبي عِنَبةَ وقد نفعني فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ استهِما عليهِ فقالَ زوجُها من يحاقُّني في ولدي فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ هذا أبوكَ وهذهِ أمُّكَ فخذ بيدِ أيِّهما شئتَ فأخذَ بيدِ أمِّهِ فانطلقَتْ بهِ
الراوي : أبو ميمونة سلمى | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 2277 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الأُمُّ أرْفَقُ بالطِّفْلِ في وقْتِ الحَضَانَة مِن أبِيهِ،، فقُدِّمَتِ الأُمُّ لذلك على الأَبِ في رِعَايةِ الوَلَدِ وحَضَانتِهِ، ولاختِصاصِها كذلك بأُمورٍ ليستْ في الأبِ، فإذا جَاوَزَ وقتَ الحضانةِ فإنَّه إلى الأبِ أحْوَجُ؛ للمعاشِ والأدَبِ، ولكنْ لم يَحْجُرِ الإسلامُ على الصَّبِيِّ العاقِلِ اختيارَ مَن يعيشُ معه مِن أبَوَيهِ، فخَيَّرَه بينَ أَبوَيْهِ كما في هذا الحديثِ؛ حيث جاءتِ امْرَأةٌ فارِسِيَّةٌ لأبِي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه معها ابنٌ لها فادَّعَياه، أي: ادَّعَى كلٌّ منهما الابنَ، وقد طلَّقَها زوجُها، فقالتْ: يا أبَا هُرَيرَةَ، ورطَنَتْ أي: تكلَّمَتْ له بالفَارِسِيَّةِ، معْنَاه: زوجِي يُريدُ أن يذهَب بابنِي، أي: يأخذَه مني كرهًا، و"الرَّطَانةُ" كلامٌ لا يفْهَمُه الحاضِرون، فقال أبو هُرَيرَةَ: استَهِمَا عليه، أي: اقْتَرِعي أنتِ وأبُوه على الابنِ، ورطَن لها بذلك، أي: ترْجَم لها هذا المعنى بالفارسِيَّةِ، فجاءَ زوجُها، أي: للخُصُومةِ فقال: مَن يُحَاقِّنِي في ولَدِي، أي: مَن يُنازِعُني في حقِّي فيه، فقال أبو هُرَيرَة: اللَّهُمَّ إنِّي لا أقولُ هذا إلَّا، أي: لا أقولُ هذا مِن عند نفْسِي، وإنَّما سَمِعْتُ امرأةً جاءتْ إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا قاعِدٌ عنده، فقالت: يا رسولَ الله، إنَّ زوجِيَ يُريدُ أن يذْهَب بابنِي، وقد سَقَانِي مِن بئْرِ أبِي عِنَبَةَ، وقد نفَعَنِي، أي: إنَّه كَبِرَ واحتَجْتُ إليه وأصبَحَ ينفَعُنِي ويُفِيدُني، فأظهَرَتْ حاجَتَها للولدِ، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: استَهِمَا عليه، وهذا يدلُّ على أنَّ الاستِهَامَ أولاً قبلَ التخييرِ، إذا وافقُوا عليه ورضُوا به، فلا بَأْسَ به؛ لأنَّ الحقَّ لا يخرُجُ عنهما، لكن إذا اختَلَفا كما هنا، فقال زوجُها: مَن يُحَاقِّني في ولدي؟ فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (هذَا أبوكَ، وهذِه أمُّك فخُذْ بيدِ أيِّهِمَا شئْتَ)، إذا لم يَحصُلِ اتِّفاقٌ على الاستِهَام، فإنَّه يخيَّرُ بين أبَوَيهِ، فدَعَاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لاختيارِ الأفْضَلِ له مِنْهُما، فأخَذَ بيدِ أُمِّهِ، فانطلقَتْ به، والتَّخْييرُ الَّذي فعَلَه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هنا إنَّما يكونُ عندما يعْقِلُ الولَدُ ويميِّزُ ويَستغْنِي بنفسِه، فعندئذٍ يُخيَّرُ بين أبَوَيهِ.
ثم إنَّ الاستِهَامَ والتَّخْييرَ لا يكونِانِ إلَّا إنْ كان وجودُه عند أحدِهِما في صالِحِه، أمَّا إذا عُرِفَ أنَّ أحدَهُما سيُسِيءُ له، وليس أهلاً لأنْ يكونَ معه، وأنَّ الثَّانِي أوْلَى منه لصالِحِ الطِّفْلِ أُلْحِقَ به؛ فالشَّرِيعةُ قائِمةٌ على النَّفْعِ لا على الضُّرِّ.
وفي الحديثِ: أنَّ القُرْعَةَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ عند تسَاوِي الأَمْرَينِ. .