الموسوعة الحديثية


- سرتُ أو قالَ أخبرني من سارَ معَ مصدِّقِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فإذا في عَهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أن لاَ تأخذ من راضعِ لبنٍ ولاَ تجمع بينَ مفترقٍ ولاَ تفرِّق بينَ مجتمعٍ. وَكانَ إنَّما يأتي المياهَ حينَ تردُ الغنمُ فيقولُ أدُّوا صدقاتِ أموالِكم. قالَ فعمدَ رجلٌ منْهم إلى ناقةٍ كوماءَ قالَ قلتُ يا أبا صالحٍ ما الْكوماءُ قالَ عظيمةُ السَّنامِ قالَ فأبى أن يقبلَها قالَ إنِّي أحبُّ أن تأخذَ خيرَ إبلي. قالَ فأبى أن يقبلَها قالَ فخطمَ لَهُ أخرى دونَها فأبى أن يقبلَها ثمَّ خطمَ لَهُ أخرى دونَها فقبلَها وقالَ إنِّي آخذُها وأخافُ أن يجدَ علىَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ لي عمدتَ إلى رجلٍ فتخيَّرتَ عليْهِ إبلَه.
الراوي : سويد بن غفلة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 1579 | خلاصة حكم المحدث : حسن
الزَّكاةُ حقُّ الله تعالى في المالِ، وقد شَرَعها اللهُ عزَّ وجلَّ تطهيرًا للنَّفسِ مِن الشُّحِّ والبُخلِ، ومُواساةً للفُقراءِ، وقد ضرَب الصَّحابةُ الكِرامُ أروعَ الأمثلةِ في بَذلِ أموالِهم.
وفي هذا الحديثِ يَحْكي سُويدُ بنُ غَفَلةَ أنَّه سارَ "مع مُصدِّقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"، أي: مَشَى مع عامِلِ الصَّدقةِ الَّذي كان يَجمَعُ الصَّدقاتِ مِن الأغنياءِ، فاطَّلَع على ما عَهِدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم في أُمورِ الصَّدقةِ، فكان مِنها: "ألَّا نَأخُذَ مِن راضعِ لبَنٍ"، أي: لا يَأخُذ عاملُ الصَّدقةِ الناقةَ أو البقرةَ أو الشاةَ الحَلوبَ الَّتي أُعدَّتْ للدَّرِّ وهي تُرضِعُ صَغيرَها؛ لأنَّها مِن خِيارِ المالِ، كما لا يَحِقُّ له أخْذُ الصِّغارِ الرُّضَّعِ.
"ولا تَجْمَعْ بينَ مُفترِقٍ، ولا تُفرِّقْ بينَ مُجتمِعٍ"؛ كأن يَكونَ ثلاثةُ أشخاصٍ عِندَ كلِّ واحدٍ مِنهم أربَعون شاةً مثلًا، فإذا جاءهم المصدِّقُ جمَعوها؛ لئلَّا يَكونَ فيها إلَّا شاةٌ واحدةٌ، فيُعْطوا المصدِّقَ زَكاةً أقلَّ، أوِ العَكْسُ؛ بحثُ يُفرِّقُ الأموالَ المجتمِعةَ؛ تَكثيرًا للزَّكاةِ.
قال: "وكان يَأتِي المياهَ"، أي: كان المُصدِّقُ يَأتي إلى أماكنِ الشُّربِ حيثُ تُجمَعُ الحيَواناتُ للسَّقيِ، قال: "فعَمَدَ رجلٌ مِنهم إلى ناقةٍ كَوْماءَ"، وهي السَّمينةُ عَظيمةُ السَّنامِ، قال: "فأبى أن يَقبَلَها"، أي: رفَضَ عامِلُ الصَّدَقاتِ أن يَقبَلَها مِنه؛ لعِظَمِ خَيرِها، "فقال الرَّجلُ: إنِّي أُحِبُّ أن تَأخُذَ خيرَ إبِلي"، أي: إنَّ نَفْسَه تَطِيبُ بذلك ويَرْضى، قال: "فأبى أن يَقبَلَها أيضًا، ثمَّ خَطَم له أخرى دُونَها"، أي: أعطاه ناقةً أقلَّ منها، "فأبى أن يَقْبَلَها، ثمَّ خطَم له أخرى دُونَها"، أي: أعطاه ناقةً أقلَّ مِن الثَّانيةِ، "فقَبِلَها" المُصدِّقُ، و"خطَم له"، أي: جَرَّها مِن زِمامِها، وقد عَلَّل المصدِّقُ رفْضَه للنَّاقةِ الكَوْماءِ بقَولِه: "إنِّي آخُذُها وأخافُ أن يَجِدَ عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"، أي: يَغضَبَ منِّي ويَقولَ لي: عَمَدتَ إلى رجلٍ فتَخيَّرتَ عليه إبِلَه!"، أي: أخَذتَ أفضلَ ما عِندَه، وهكذا كان الأمرُ بأنْ يَأخُذَ مِن أوسَطِ أموالِهم.