هذا الحديثُ مُختصَرٌ مِن حديثٍ آخَرَ، وفيه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم طلَبَ مِن رجلٍ لا يُحسِنُ الصَّلاةَ أن يُعيدَها، فحاوَل الرَّجلُ أكثرَ مِن مرَّةٍ، حتَّى قال: ما عِبْتَ مِن صَلاتي؟ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّها لا تَتِمُّ صَلاةُ أحَدِكم"، أي: لا تَصِحُّ أو لا تَكمُلُ، "حتَّى يُسبِغَ الوُضوءَ"، أي: يُتِمَّه ويُعطِيَ كلَّ عضوٍ حقَّه مِن الماءِ، "كما أمَرَه اللهُ عزَّ وجلَّ"، أي: ممَّا ذكَره اللهُ عزَّ وجلَّ في سورةِ المائدةِ؛ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
[المائدة: 6] ، "فيَغسِلَ وجهَه ويدَيْه إلى المِرفَقَينِ"، والمِرفَقُ: المِفْصَلُ الَّذي في مُنتصَفِ الذِّراعِ، "ويَمسَحَ برَأسِه"، أي: يَمسَحَ شَعرَه ورأسَه بالماءِ، "ورِجْلَيه إلى الكَعبَينِ"، أي: ويَغسِلَ رِجلَيه إلى الكعبَينِ، والكَعبُ: هو النُّتوءُ البارِزُ من العَظْمِ على جانِبَيِ القدَمِ.
"ثمَّ يُكبِّرَ اللهَ عزَّ وجلَّ"، أي: تَكْبيرةَ الإحرامِ، "ويَحْمَدَه"؛ قيل: يَحمَدُه بقِراءَةِ الفاتِحَةِ، أو لعلَّ المرادَ دُعاءُ الاستِفْتاحِ الَّذي فيه الحَمدُ والثَّناءُ عليه، "ثمَّ يَقرَأُ مِنَ القرآنِ ما أُذِنَ له فيه وتيَسَّر"، أي: ما تيَسَّر له حِفظُه بعدَما يَقرَأُ الفاتِحةَ.
وقد اختَصَر هنا صِفةَ الرُّكوعِ، فلم يَذكُرْها، وأحالَها على رِوايةِ حمَّادِ بنِ سلَمةَ الَّتي قالَ فيها: "ثمَّ يَقولُ: اللهُ أكبرُ، ثمَّ يَركَعُ حتَّى تطمئِنَّ مَفاصِلُه"، والمِفصَلُ: كلُّ مُلتقَى عَظْمَين مِن الجسَدِ، وفي هذا إشارةٌ إلى إتمامِ حرَكاتِه في الصَّلاةِ واطمِئْنانِهم؛ يَقولُ: "سَمِع اللهُ لِمَن حَمِدَه، حتَّى يَستوِيَ قائمًا"، أي: يَعتدِلَ واقِفًا مِن الرُّكوعِ، قال: "ثُمَّ يُكبِّرُ فيَسجُدُ"، وقوله: "فيُمكِّنُ وجهَه - قال همَّامٌ: وربَّما قال: جَبْهتَه مِن الأرضِ"، أي: يضَعُ وجهَه وجبهتَه ويُلصِقُهما بالأرضِ، والجَبهَةُ: مُقدَّمُ الرَّأسِ.
وهمَّامٌ هذا أحَدُ رُواةِ الحديثِ يَذكُرُ القولَ عَن شَيخِه إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ: "حتَّى تَطمئِنَّ مَفاصِلُه وتَستَرخِيَ"، أي: تَصيرَ غيرَ مَشدودةٍ، "ثمَّ يُكبِّرُ فيَستوِي قاعدًا على مَقعَدِه"، والمَقعَدةُ: هي الأردافُ، وهي مَوضِعُ القُعودِ مِن الجِسْمِ، قال: "ويُقيمُ صُلبَه"، أي: ظَهْرَه، "فوَصَف الصلاةَ هكذا أربعَ ركَعاتٍ"، أي: يُصلِّي في الأربَعِ الرَّكَعاتِ بنَفْسِ صِفةِ الرَّكعةِ الأُولى، "حتَّى فرَغ"، أي: مِن الوَصفِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "لا تَتِمُّ صلاةُ أحَدِكم حتَّى يَفعَلَ ذلك"، أي: يأتيَ بكُلِّ ما ذكَره النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم.
وفي الحديثِ: أهميَّةُ إسباغِ الوضوءِ والإتيانِ به على الوجهِ الأكملِ، وترتيبُ الوضوءِ وتقديمُ ما قَدَّمه اللهُ في الذِّكرِ منه.
وفيه: الحثُّ على مُراعاةُ إتمامِ الصَّلاةِ على الوجهِ الأكملِ لها.