الموسوعة الحديثية


- أنَّ جيشًا من الأنصارِ كانوا بأرضِ فارسَ معَ أميرِهِم وَكانَ عمرُ يُعقِبُ الجيوشَ في كلِّ عامٍ فشُغِلَ عنهم عمرُ فلمَّا مرَّ الأجلُ قفلَ أهْلُ ذلِكَ الثَّغرِ فاشتدَّ عليهِم وتواعدَهُم وَهُم أصحابُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالوا يا عمرُ إنَّك غفَلت عنَّا وترَكَتَ فينا الَّذي أمرَ بهِ رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من إعقابِ بعضِ الغزِّيَّةِ بعضًا
الراوي : عبدالله بن كعب بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 2960 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
نظَّمَ الشَّرعُ أمْرَ الغزوِ والحربِ؛ لنَشْرِ الإسلامِ، وراعَى أنَّ المُحارِبينَ بشَرٌ ولهم أهلٌ وأبناءٌ، فمَع حَثِّه على الجِهادِ والقِتالِ ورفْعِ مَنزِلَةِ الشُّهداءِ، فإنَّه رفَعَ المشقَّةَ والعنَتَ عَن المقاتِلينَ الأحياءِ؛ ولذلك كان الخُلَفاءُ يُناوِبون بينَ النَّاسِ على الثُّغورِ وجَبهاتِ القِتالِ على فتَراتٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ كعبٍ: "أنَّ جيشًا مِن الأنصارِ كانوا بأرضِ فارسَ معَ أميرِهم، وكان عمرُ يُعْقِبُ الجيوشَ في كلِّ عامٍ"، أي: كان يُناوِبُ بينَ المقاتِلينَ في الجيوشِ، فتَذْهَبُ طائفةٌ لِيَحُلُّوا محَلَّ الَّذين في القتالِ؛ لِتَرجِعَ الطَّائفةُ القديمةُ إلى أهلِها، "فشُغِل عنهم عُمرُ"، أي: عن ذلك الجيشِ مِن الأنصارِ، "فلمَّا مرَّ الأجَلُ"، أي: قضَوُا المدَّةَ المحدَّدةَ لهم، "قفَل أهلُ ذلك الثَّغرِ"، أي: رجَع هذا الجيشُ، والثَّغرُ: الحدُّ الفاصلُ بينَ بلادِ المسلِمين والكفَّارِ، ويكونُ مَطمَعًا للأعداءِ في المُرورِ منه، "فاشتَدَّ عليهم"، أي: خافوا لكونِهم قد رجَعوا بغيرِ إذنٍ.
قال: "وتواعَدَهم وهم أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"، أي: أنذَرَهم عمرُ رَضِي اللهُ عَنْه بالعُقوبةِ والنَّكالِ؛ لأنَّهم رجَعوا دونَ إذنِه، وهذا معَ القدْرِ الذي كانوا فيه مِن أنَّهم كانوا أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، فقالوا: "يا عمرُ، إنَّك غفَلْتَ عنَّا وترَكتَ فينا الَّذي أمَر به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم من إعقابِ بعضِ الغزيَّة بعضًا"، أي: إنَّك خالَفتَ أمرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم في تبديلِ ومُناوَبةِ المقاتلينَ على الجَبهاتِ.
وفي الحديثِ: بيانُ توَقُّفِ الصَّحابةِ عندَ أوامرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم ونواهيه.
وفيه: نَصيحةُ وليِّ الأمرِ فيما يُخالِفُ فيه هدْيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم.