الموسوعة الحديثية


- عنِ ابنِ عبَّاسٍ، قالَ: لمَّا نزلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ مرَّ الظَّهرانِ قالَ العبَّاسُ: قلتُ واللَّهِ، لئن دخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ مَكَّةَ عُنوةً، قبلَ أن يأتوهُ فيَستأمنوهُ إنَّهُ لَهَلاكُ قُرَيْشٍ، فجلَستُ على بغلةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقلتُ لعلِّي: أجدُ ذا حاجةٍ يأتي أَهْلَ مَكَّةَ فيخبرُهُم بمَكانِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ليَخرجوا إليهِ، فيستأمِنوهُ فإنِّي لأسيرُ إذ سَمِعْتُ كلامَ أبي سفيانَ، وبُدَيْلِ بنِ ورقاءَ، فقلتُ: يا أبا حنظلةَ، فعرفَ صوتي، فقالَ: أبو الفضلِ؟ قلتُ: نعَم، قالَ: ما لَكَ فداكَ أبي وأمِّي؟ قلتُ: هذا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، والنَّاسُ، قالَ: فما الحيلةُ؟ قالَ: فرَكِبَ خلفي، ورجعَ صاحبُهُ، فلمَّا أصبحَ غَدوتُ بِهِ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فأسلَمَ، قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ يحبُّ هذا الفخرَ، فاجعَل لَهُ شيئًا، قالَ: نعَم، من دخلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمِنٌ، ومن أغلقَ علَيهِ دارَهُ فَهوَ آمِنٌ، ومن دخلَ المسجدَ فَهوَ آمنٌ قالَ: فتفرَّقَ النَّاسُ إلى دورِهِم وإلى المسجِدِ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 3022 | خلاصة حكم المحدث : حسن
أكرَمَ اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم بأن فتَح عليه مَكَّةَ ودَخَلها عَزيزًا بعد أن أُخرِجَ منها وآذَتْه قُرَيْشٌ فيها، فضَرَب لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أروعَ مَثلٍ في الأخلاقِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "لَمَّا نزَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم" معَ الجُيوشِ زمَنَ فتْحِ مَكَّةَ، "مَرَّ الظَّهْرانِ"، وهُو موضِعٌ بقُربِ مَكَّةَ، قال "العبَّاسُ" عمُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "قلتُ" في نَفْسي: "واللهِ، لَئِن دخَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم مَكَّةَ عَنْوةً"، أي: غَلَبةً وقهرًا، "قبلَ أن يَأتُوه"، أي: أهلُ مَكَّةَ، "فيَستَأمِنوه"، أي: يَطْلبوا مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم الأمانَ، وهو أن يُؤمِّنَهم على أموالِهم وأنفُسِهم، "إنَّه لهَلاكُ قُرَيْشٍ" إذا لَم يَفعَلوا ذلك، "فجَلَستُ على بَغْلةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"، أي: رَكِبتُها، "فقلتُ" في نفسي: "لَعلِّي أجِدُ ذا حاجَةٍ"، أي: مَن خرَج مِن مَكَّةَ يُريدُ حاجةً له "يأتي أهلَ مَكَّةَ" بعدَ ذلك، "فيُخبِرُهم بمَكانِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم" معَ الجيشِ؛ "لِيَخرُجوا إليه، فيَسْتأمِنوه"، أي: يَطْلبوا الأمانَ.
"فإنِّي لأَسيرُ" على البَغلةِ "إذْ سَمِعتُ كلامَ أبي سُفيانَ"، صَخْرِ بنِ حَربٍ، "وبُدَيلِ بنِ وَرْقاءَ" الخُزاعيِّ، أي: سَمِعتُ صَوتَهما، وكان معَهم رجلٌ آخَرُ، "فقلتُ"، أي: قال العبَّاسُ: "يا أبا حَنظلَةَ"، وهي كُنْيةُ أبي سُفيانَ، "فعَرَف صَوْتي، فقال" أبو سُفيانَ: "أبو الفَضلِ؟"، أي: أأنتَ أبو الفَضلِ؟ وهي كُنْيةُ العبَّاسِ، "قلتُ"، أي: قال العبَّاسُ: نعَم، "قال" أبو سُفيانَ: "ما لكَ، فِداكَ أبي وأمِّي؟"، أي: ما الخبَرُ عِندَك؟ "قلتُ"، أي: قال العبَّاسُ: "هذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، والنَّاسُ"، أي: معَه الجُيوشُ، "قال" أبو سُفيانَ: "فما الحيلةُ؟"، أي: ماذا نَعمَلُ؟ وكيف نتَصرَّفُ في هذا الموقف؟ "قال" العبَّاسُ: "فرَكِب" أبو سُفْيانَ، "خَلْفي" بعدَ أن قال العبَّاسُ له ذلك، "ورَجَع صاحِبُه"، أي: بُديلُ بنُ وَرْقاءَ إلى مَكَّةَ، "فَلمَّا أصبَح غدَوتُ به على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم".
وتَمامُ القِصَّةِ: قال العبَّاسُ: فدَخَلتُ به على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، ودخَل عُمرُ، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، هذا أبو سُفْيانَ، فدَعْني أضرِبْ عُنقَه، قال: قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي قد أجَرتُه، ثُمَّ جلَستُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، فأخَذتُ برأسِه، فقلتُ: واللهِ، لا يُناجِيه اللَّيلةَ أحَدٌ دُوني، فَلمَّا أكثَرَ عُمرُ في شأنِه قلتُ: مَهلًا يا عُمرُ، فواللهِ لو كان مِن رِجالِ بَني عَدِيِّ بنِ كَعبٍ ما قُلتَ مِثلَ هذا، قال: مَهلًا يا عبَّاسُ، واللهِ، لَإِسلامُك كان أحبَّ إليَّ مِن إسلامِ الخَطَّابِ لو أَسلَمَ، وما بي إلَّا أنِّي قد عرَفتُ أنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم مِن إسلامِ الخطَّابِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: اذهَبْ به يا عبَّاسُ إلى رَحْلِك، فإذا أصبَحَ فأْتِني به، فذَهَبتُ، فَلمَّا أصبَح غدَوتُ به إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، فَلمَّا رآه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، قال: وَيحَك يا أبا سُفيانَ! ألَم يَأنِ لك أن تَعلَمَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ؟! قال: بأَبي أنتَ وأُمِّي، ما أحلَمَك وأكرَمَك وأوصلَك! لقد ظنَنتُ أنْ لو كان معَ اللهِ إلهٌ غَيرُه لقَد أغنى شيئًا بَعدُ، قال: ويحَك يا أبا سُفيانَ! ألَم يَأنِ لك أن تَعلَم أنِّي رَسولُ اللهِ؟! قال: بأبي أنتَ وأمِّي، ما أحلَمَك وأكرمَك وأوصلَك! أمَّا هذه فإنَّ في النَّفسِ حَتَّى الآنَ مِنها شيئًا، فقال له العبَّاسُ: ويحَكَ أَسلِمْ، واشْهَدْ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، قَبلَ أن يَضرِبَ عُنقَك. "فأَسلَم"، أي: دخَل في الإسلامِ.
قلتُ: "يا رسولَ اللهِ، إنَّ أبا سُفيانَ رجلٌ يُحِبُّ هذا الفَخرَ، فاجْعَلْ له شيئًا" يُسَرُّ به ويَفتَخِرُ، "قال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "نَعَم، مَن دخَل دارَ أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ، ومَن أغلَقَ عليه دارَه" وسدَّ عليه بابَه، "فهو آمِنٌ، ومَن دخَل المسجِدَ" الحرامَ، "فهو آمِنٌ".
"قال"، أي: ابنُ عبَّاسٍ: "فتَفرَّقَ النَّاسُ إلى دُورِهم وإلى المسجِدِ"، أي: بَعضُهم دخَلَ بيتَه، وبَعضُهم دخَل المسجِدَ الحرامَ.