كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَترُكُ قيامَ اللَّيلِ في سَفرٍ ولا حَضَرٍ، وكان كثيرًا ما يَحُثُّ أصحابَه على صلاةِ اللَّيلِ، ويُرغِّبُهم فيها.
وفي هذا الحديثِ: أنَّ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها زَوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلتْ عن صلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "في جَوْفِ اللَّيلِ"، أي: وسَطِ اللَّيلِ، فقالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: "كان يُصلِّي العشاءَ في جماعةٍ، ثُمَّ يَرجِعُ إلى أهلِه"، أي: كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي العِشاءَ في المسجِدِ جماعةً، ثُمَّ يعودُ إلى بيتِه، "فيَركَعُ أربعَ رَكَعاتٍ"، أي: يُصلِّي أربعَ رَكَعاتٍ، "ثُمَّ يَأوي إلى فِراشِه"، أي: ثُمَّ يَذهَبُ إلى سَريرِه لِيَنامَ، "ويَنامُ وطَهورُه مُغطًّى عندَ رأسِه"، أي: وينامُ وقد جَهَّز لنَفْسِه وَضوءَه، ووضَعَه بجانبِه وغطَّاه، "وسِواكُه موضوعٌ"، أي: وسِواكُه بجانبِه.
قالتْ رضِيَ اللهُ عنها: "حتَّى يَبعَثَه اللهُ"، أي: حتَّى يَستيقِظَ مِن نومِه، "ساعتَه الَّتي يَبعَثُه مِن اللَّيلِ"، أي: السَّاعةَ الَّتي يَستيقِظُ فيها عادةً، "فيَتسَوَّكُ"، أي: يَستعمِلُ السِّواكَ، "ويُسبِغُ الوُضوءَ"، أي: ويُحسِنُ الوُضوءَ ويُتقِنُه، "ثُمَّ يَقومُ إلى مُصلَّاه"، أي: ثُمَّ يقومُ إلى المكانِ الَّذي يُصلِّي فيه مِن بيتِه، "فيُصلِّي ثمانيَ رَكَعاتٍ"، أي: لا يَفصِلُ بينَها بجلوسٍ ولا تَشهُّدٍ، "يقرَأُ فيهنَّ بأمِّ الكتابِ وسورةٍ مِن القرآنِ"، أي: يَقرأُ في كلِّ ركعةٍ بالفاتحةِ وسورةٍ أخرى من القرآنِ، "وما شاءَ اللهُ"، أي: ويَزيدُ ما شاء اللهُ مِن القراءةِ، "ولا يَقعُدُ في شيءٍ منها"، أي: ولا يَقعُدُ في أيِّ ركعةٍ مِن الرَّكَعاتِ الثَّمانِ، "حتَّى يَقعُدَ في الثَّامنةِ"، أي: يَجلِسَ في الرَّكعةِ الثَّامنةِ للتَّشهُّدِ، "ولا يُسلِّمُ"، أي: ولا يُسلِّمُ في الرَّكعةِ الثَّامنةِ بعدَ التَّشهُّدِ، ولكنَّه يَقومُ ليُصلِّيَ التَّاسعةَ، "ويقرَأُ في التَّاسعةِ"، أي: ويقومُ لِيُكْمِلَ ركعةً تاسعةً، ويقرأُ فيها بالفاتحةِ وسورةٍ كما سبَق.
"ثُمَّ يَقعُدُ"، أي: يَجلِسُ للتَّشَهُّدِ في تلك الرَّكعةِ التَّاسعةِ، "فيَدْعو بما شاءَ اللهُ أَنْ يَدْعوَه"، أي: بما فتَح اللهُ عليه مِن الدُّعاءِ، "ويَسأَلُه"، أي: ويَطلُبُ منه، "ويَرْغَبُ إليه"، أي: ويتَضرَّعُ إليه، "ويُسلِّم تسليمةً واحدةً شديدةً"، أي: ويُسلِّمُ بعدَ تلك الرَّكعةِ التَّاسعةِ بصوتٍ مرتفعٍ شديدٍ، "يكادُ يُوقِظُ أهلَ البيتِ مِن شدَّةِ تسليمِه"، أي: يَرفَعُ صوتَه بالتَّسليمِ حتَّى يَكادَ يَستيقظُ أهلُ البيتِ مِن شدَّةِ رفعِ صوتِه في التَّسليمِ، "ثُمَّ يَقرَأُ وهو قاعدٌ بأمِّ الكتابِ، ويَركَعُ وهو قاعدٌ"، أي: ثُمَّ يَستكمِلُ صلاتَه، ولكنَّه يُصلِّي وهو جالسٌ، فيَقرَأُ وهو جالسٌ، ويركَعُ وهو جالسٌ، "ثُمَّ يَقرَأُ الثَّانيةَ، فيَركعُ ويَسجُدُ وهو قاعدٌ"، أي: في الرَّكعةِ الثَّانيةِ يَقرَأُ أيضًا وهو جالسٌ، ويَركَعُ وهو جالسٌ، ويَسجُدُ وهو جالسٌ، "ثُمَّ يَدْعو ما شاء اللهُ أنْ يدعوَ"، أي: ثُمَّ يدعو بما فتحَ اللهُ عليه مِن الدُّعاءِ وهو جالسٌ أيضًا، "ثُمَّ يُسلِّمُ ويَنصرِفُ"، أي: ثُمَّ يُنهي صلاتَه فيُسلِّمُ تَسليمَه مِن الصَّلاةِ، ويقومُ مِن مُصلَّاه، وقد قضى صلاتَه من اللَّيلِ.
قالت: "فلم تَزَلْ تلك صلاةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: حافَظَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على صلاتِه بتلك الطَّريقةِ زَمنًا طويلًا، "حتى بَدُنَ"، أي: حتَّى حمَل جِسمُه اللَّحْمَ وثَقُلَ، "فنَقَصَ من التِّسعِ ثِنْتَيْنِ"، أي: قلَّل مِن الرَّكَعاتِ التِّسعِ ركعتَيْنِ، "فجعَلَها إلى السِّتِّ والسَّبعِ"، أي: جعَل صلاتَه ما بينَ ستِّ وسبعِ ركعاتٍ، والمقصودُ: ستُّ رَكَعاتٍ مِن غيرِ الوترِ، وسبعُ رَكَعاتٍ بالوَتْرِ، "وركعتَيْه وهو قاعدٌ"، أي: ويُصلِّي الرَّكعتَيْنِ اللَّتَيْنِ بعدَ الوترِ وهو جالسٌ، "حتَّى قُبِضَ على ذلك صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: حتَّى مات صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصلاتُه على تلك الهيئةِ لم يُغيِّرْها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.