كان النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أشجعَ النَّاسِ، وكان الصَّحَابَةُ يَحتَمُون به إذا اشتدَّ القتالُ، ومِن تلك المعارك الَّتِي ظهرَتْ فيها شجاعتُه صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: يومُ حُنَيْنٍ؛ إذ تَقَهْقَرَ المُسلِمُونَ حِينًا، وبَقِيَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم ثابتًا مع بعضِ مَن حَوْلَه.
وفي هذا الحَديث يقولُ البَرَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْه: "لَمَّا لَقِيَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم المُشرِكِينَ" وهم هَوَازِنُ وَغَطَفانُ ومَن اجتَمَع معهم "يومَ حُنَيْنٍ" وهو وادٍ مِن أَودِيَةِ تِهامَةَ، وكانت تلك المعركةُ في السَّنةِ الثامنةِ مِن الهجرةِ، فاغتَرَّ المُسلِمونَ بعَددِهم "فانْكَشَفوا"، أي: انْهَزَمُوا، وذلك في أوَّلِ المعركةِ، ولكنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم لم يُرْهِبْه ذلك، فلم يَفِرَّ، بل "نَزَل عن بَغْلَتِه فتَرَجَّلَ"، أي: نزَل عن دابَّتِه ومَشَى على رِجْلَيْهِ.
وفي رِوايةٍ أُخرَى: أنَّه صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم نادَى في المُسلِمِينَ قائلًا:"أنا النَّبِيُّ لا كَذِب.. أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِب"، فرَجَع المُسلِمُونَ وثبَّتهم اللهُ وهزَموا المُشرِكِينَ.
وفي الحَدِيثِ: بيانٌ لشجاعةِ النَّبِيّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم.
وفيه: بيانٌ للصِّفاتِ المطلوبةِ في القائدِ.
وفيه: عدمُ المُنافاةِ بينَ وُجودِ تقصيرٍ مِن شَخصٍ مع اتِّصافِه بالفضلِ، وأنْ يُغَلَّبَ الحُكمُ عليه بالفضلِ، وعدمُ مؤاخذتِه بالتقصيرِ، ومُستَنَدُ ذلك: فِرارُ كثيرٍ من الصَّحَابَةِ في أوَّلِ المعركةِ، ثُمَّ عَوْدتُهم إليها.