الموسوعة الحديثية


- قدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، من غزوةِ تبوكٍ – أو خيبرٍ – وفي سهوتِها سترٌ ، فهَبَّتْ ريحٌ، فكَشَفَتْ ناحيةَ السِّتْرِ ، عن بناتٍ لعائشةَ – لَعِبٌ – فقال : ما هذا يا عائشةُ ؟ قالت : بناتي ! ورأى بينَهُنَّ فرسًا له جَناحانٍ مِن رِقاعٍ ، فقال : ما هذا الذي أرى وَسَطَهُنَّ ؟ قالت : فَرَسٌ . قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جَناحان . قال : فرسٌ له جَناحانِ ؟ قالت : أما سَمِعْتَ أن لسليمانَ خيلًا لها أجنحةً ؟ قالت : فضَحِكَ حتى رَأَيْتُ نواجذَه!.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 4932 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (4932) واللفظ له، والبيهقي (21510)
كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُقدِّرُ الأمورَ بقَدْرِها، ويَعرِفُ لكلِّ إنسانٍ ما يناسِبُ حالَه مِن جِهةِ السِّنِّ والقُدرةِ العَقليةِ وغيرِ ذلكَ، معَ حِفاظِه على ثَوابتِ الدِّينِ وأوامرِ الشرعِ.
وفي هذا الحَديثِ تَحكي أمُّ المؤمنِينَ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها أنَّه: "قدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم من غَزوةِ تَبوكَ – أو خيبرَ"، أي: رجعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن إحْدى غَزواتِه؛ إمَّا تبوكُ وإمَّا خَيبرُ، وتَبوكُ في أقصى شَمالِ الجَزيرةِ العربيَّةِ في مُنتصَفِ الطريق إلى دِمَشقَ، وخَيبرُ مكانٌ قريبٌ من الطائف كان يَسكنُه اليهودُ، "وفي سَهوتِها سِترٌ"، والسَّهْوةُ هي المكانُ الذي أمامَ البيتِ، أو جُزءٌ مَحفورٌ في الجدارِ يوضَعُ فيه الأشياءُ، "فهبَّت رِيحٌ، فكشفَتْ ناحيةَ السِّترِ عن بَناتٍ لعائشةَ لُعَبٍ"، أي: فحرَّكتِ الرِّيحُ أطرافَ السِّتارِ فانكشفَ ما وراءَها، وهي بَناتٌ، أي: ألعابٌ مُجسَّمةٌ، فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "ما هذا يا عائشةُ؟" قالتْ: "بَناتي، ورأى بَينهنَّ فرَسًا له جَناحانِ مِن رِقاعٍ"، أي: لُعبةً على هَيئةِ فَرسٍ له جَناحانِ مِن القُماشِ أو الجِلدِ، فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "ما هذا الذي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟" قالتْ عائشةُ: "فَرسٌ" قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "وما هذا الذي عليهِ؟" قالتْ عائشةُ: "جَناحانِ" قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مُتعجِّبًا لها: "فَرَسٌ لَه جَناحانِ؟" فقالتْ عائشة رضيَ اللهُ عَنها: "أمَا سَمِعتَ أنَّ لِسُليمانَ خَيلًا لها أجنِحةٌ؟!" قالتْ: "فضحِكَ"، أي: النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، "حتى رأيتُ نواجِذَه"، والنواجذُ: الأنيابُ، وقيل: الأضراسُ، وفي هذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ الضَّحِكِ. وهذا الحوارُ بينَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وَزوجَتِه عائشةَ يدلُّ على أنَّه يَستوضِحُ الأمورَ أولًا، ثمَّ لو عَلِمَ فيها حُرمةً نَهَى عنها، ولكنَّ ضحِكَه وعدمَ نهيِها يُشعر بمشروعيَّةِ هذهِ الألعابِ.
وفي الحديث: مُراعاةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأحوالِ زَوجاتِه، وحُسنُ عِشرتِه لهنَّ، ومُحاورتِه لهنَّ، والضَّحِك معهنَّ.