الموسوعة الحديثية


- اعْرِفْ وِكَاءَهَا، أوْ قالَ وِعَاءَهَا، وعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بهَا، فإنْ جَاءَ رَبُّهَا فأدِّهَا إلَيْهِ قالَ: فَضَالَّةُ الإبِلِ؟ فَغَضِبَ حتَّى احْمَرَّتْ وجْنَتَاهُ، أوْ قالَ احْمَرَّ وجْهُهُ، فَقالَ: وما لكَ ولَهَا، معهَا سِقَاؤُهَا وحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا قالَ: فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قالَ: لَكَ، أوْ لأخِيكَ، أوْ لِلذِّئْبِ.
الراوي : زيد بن خالد الجهني | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 91 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه مسلم (1722) باختلاف يسير
مِن مَقاصدِ الشَّريعةِ العُظمَى الحِفاظُ على أموالِ الناسِ وصَونُها مِن النَّهبِ والسَّرقةِ والضَّياعِ، أو أنْ يَطمَعَ فيها أحدُهم عندَ فَقْدِها.وفي هذا الحديثِ يَروي زَيدُ بْنُ خَالِدٍ الجُهنيُّ أنَّ رجُلًا سأَلَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن اللُّقطةِ، وهي المالُ الضائعُ في الطَّريقِ ولا يُعرَفُ صاحبُه، فأرشَدَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن وجَدَ شَيئًا ضائعًا، فعليه أنْ يَعرِف جَميعَ مُميِّزاتِه وعَلاماتِه؛ مِن شَكلِ الوعاءِ والحبْلِ ولونِهما، والعِفاصُ: الوِعاءُ الذي يكونُ فيه النَّفقةُ مِن جِلدٍ، أو خِرقةٍ، أو غيرِ ذلك، والوِكاءُ: هو الرِّباطُ الذي يُربَطُ به، وهذا كلُّه مِن بابِ حِفظِ جَميعِ المواصفاتِ، ثمَّ يُعرِّفَها ويُعلِنَ للنَّاسِ عن وُجودِ هذه اللُّقطةِ عندَه لمدَّةِ سَنةٍ كاملةٍ؛ وذلك لمُحاولةِ إيصالِها إلى صاحبِها، ثمَّ بعدَ مُرورِ السَّنةِ فله أنْ يَنتفِعَ بها، فإنْ وجَدَ صاحبَها خِلالَ السَّنةِ فيُسلِّمْها له، وإنْ جاء بعْدَ السَّنةِ، وذكَرَ عَلاماتِها المُميِّزةَ لها مِن شَكلٍ ولَونٍ ووِعاءٍ ونحْوِه، وكانتْ مَوجودةً بعَينِها فيُسلِّمْها له، ويَدفَعْها إليه، وإنْ تَصرَّفَ فيها فعليه ضَمانُها، ويَدفَع قِيمتَها وثمَنَها.ثمَّ سأَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حُكمِ الإبلِ الضَّائعة فأجابَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها لا تُؤخَذُ؛ لأنَّها تَوفَّرت لها كلُّ أسبابِ المَعيشةِ؛ مِن حِذاءٍ قَويٍّ صُلْبٍ تَسيرُ عليه، وهو خُفُّها، وسِقاءٍ ضَخْمٍ تَحفَظُ به الماءَ، وهو بطْنُها وسِنامُها، ثمَّ هذا هو العُشبُ بيْن يَدَيها، والماءُ مَوجودٌ تَرِدُه ولو بعدَ أيَّامٍ، فتَختَزِنُه في بطْنِها فتَرْوى منه.وقيل: إنَّما كان غضَبُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ السُّؤالِ عن ضالَّةِ الإبلِ استقصارًا لعِلمِ السَّائلِ، وسُوءِ فَهمِه؛ إذ لم يُراعِ المعنى المشارَ إليه، ولم يَتنبَّهْ له، فقاس الشَّيءَ على غَيرِ نَظيرِه؛ فإنَّ اللُّقَطةَ إنَّما هي اسمٌ للشَّيءِ الَّذي يَسقُطُ مِن صاحبِه ولا يَدْري أين مَوضعُه؟ وضالَّةُ الإبلِ ليست كذلك؛ لأنَّها قد تَرعى أيَّامًا، ثمَّ تَعودُ إلى مَكانِها التي تَعرِفُه أو يَأتي صاحبُها فيَأخُذُها.ثمَّ سأَلَ الرجُلُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُكمِ الغنمِ الضَّائعةِ فأجابَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَأخُذَها مَن وجَدَها، وقولُه: «لكَ، أوْ لأخِيكَ»، أي: إمَّا أنْ تَأخُذَها، أو يَلتقِطَها غيرُك، وإلَّا فهي للذِّئبِ طَعامٌ له إنْ تُرِكَت.وفي هذا الحَديثِ أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَعريفِ اللُّقَطةِ سَنةً، بيْنما في حديثِ أُبَيٍّ عندَ البُخاريِّ: أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَعريفِها ثلاثَ سِنينَ، فيُجمَعُ بيْنهما بأنْ يُحمَلَ حَديثُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ على مَزِيدِ الوَرَعِ عن التَّصرُّفِ في اللُّقَطَةِ، والمُبالَغةِ في التَّعفُّفِ عنها، ويُحمَلُ هذا الحديثُ وأمثالُه على ما لا بُدَّ مِنه، أو لِاحتِياجِ مَن وجَدَ المالَ واستِغناءِ أُبَيٍّ.وفي الحديثِ: مُراعاةُ الإسلامِ لكلِّ أُمورِ الحياةِ التي يَهتَمُّ لها الإنسانُ وتَدخُلُ في حَياتِه، سواءٌ بقصْدٍ أو بغَيرِ قصْدٍ.