الموسوعة الحديثية


- أَعْطَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بنَ حِصْنٍ، وَالأقْرَعَ بنَ حَابِسٍ، كُلَّ إنْسَانٍ منهمْ مِائَةً مِنَ الإبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذلكَ، فَقالَ عَبَّاسُ بنُ مِرْدَاسٍ: أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ العُبَيْدِ ... بيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأقْرَعِ فَما كانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ في المَجْمَعِ وَما كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ منهمَا ... وَمَن تَخْفِضِ اليومَ لا يُرْفَعِ قالَ: فأتَمَّ له رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً. [وفي روايةٍ]: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، فأعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ مِائَةً مِنَ الإبِلِ... وَسَاقَ الحَدِيثَ بنَحْوِهِ، وَزَادَ: وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بنَ عُلَاثَةَ مِائَةً. [وفي رواية]: لَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ.
الراوي : رافع بن خديج | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1060 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
هذا الحديثُ يُظهِرُ جانبًا مِن تَأليفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم النَّاسَ على الإسلامِ بإعطائِهِمُ المالَ؛ كلٌّ على حَسَبِ قُوَّةِ الإيمانِ في قلْبِه أو رِقَّتِه، وكيْف كان يُراعِي أحوالَ كلِّ واحدٍ منهم.
وهذا الحديثُ سَببُ وُرُودِه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعْدَ غَزوةِ حُنَينٍ الَّتي وَقَعت في السَّنةِ الثَّامنةِ للهجرةِ بيْن المسلمينَ وقَبِيلتَي هَوازِنَ وثَقيفَ، قَسَّم الغنائِمَ الَّتي أخَذها مِن هذه الغَزوةِ بيْنَ المسلمينَ، فمَيَّز بعضَهم على بَعضٍ؛ فمِنهم مَن أعطاه مِائَةً مِنَ الإبِلِ، ومِنهم مَن أعطاهُ أقلَّ مِن ذلك، فأَعْطَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أبا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ زَعيمَ قُرَيشٍ، وصَفْوَانَ بنَ أُمَيَّةَ، وكان قدْ أسلَمَ بعْدَ فتْحِ مكَّةَ، وكان مِن أشرافِ قُرَيشٍ في الجاهليَّةِ والإسلامِ، وعُيَيْنَةَ بنَ حِصْنٍ الفَزاريَّ، وكان قدْ أسلَمَ قبْلَ الفتْحِ، وكان فيه جَفاءُ سُكَّانِ البَوادي، والأَقْرَعَ بنَ حَابِسٍ التَّميميَّ، وكان قدْ وَفَدَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وشَهِد فتْحَ مكَّةَ، وكان حَكَمًا في الجاهليَّةِ، فأعْطى كلَّ إنسانٍ منهم مِائَةً مِنَ الإبِلِ، وأَعْطَى عَبَّاسَ بنَ مِرْدَاسَ أقلَّ مِن مائةٍ، فغَضِب عَبَّاسُ بنُ مِرْدَاسَ، وأَنْشَدَ أبياتًا فقال: «أَتجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ العُبَيْدِ ... بيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأقْرَعِ» النَّهْبُ: الغَنِيمَةُ، والعُبَيْدُ: اسْمُ فَرَسِ عَبَّاسِ بنِ مِرْدَاسَ، والمعنَى: أَتَجعَلُ ما شارَكْتُ في اغتِنامِه مِن حُنَيْنٍ بِسِلاحِي وفَرَسِي، لِعُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ والأَقْرَعِ بنِ حَابِسٍ ومَن شابَهَهما؟! وذلك بإعطائِهم أكثَرَ منِّي. وقولُه: «وما كان بَدْرٌ ولا حَابِسٌ» يَقصِدُ جدَّ عُيَيْنَةَ وأبا الأَقْرَعِ؛ فعُيَيْنَةُ هو ابنُ حِصْنِ بنِ حُذيفةَ بنِ بَدْرٍ، والأَقْرَعُ هو ابنُ حَابِسٍ. وقولُه: «يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ في المَجْمَعِ» يَفُوقُ بمعنى: يَرتَفِعُ، والمَجْمَعُ: مَحلُّ اجتماعِ العشائرِ والقبائلِ، «وَما كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ منهمَا»، والمعنى: ما كان أَبِي دونَ أَبَوَيْهِما، ولا أنا دُونَهما، وكأنَّه ضَجَّ خوْفًا مِن نَقْصِ مَرتَبتِه، ولهذا قال: «ومَن تَخْفِضِ اليومَ»، أي: بنَقصِ عَطيَّتِه «لا يُرفَعِ»، أي: لا يَرفَعُه النَّاسُ بعْدَ هذا اليومِ.
فأعطاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِائَةً مِنَ الإبِلِ مِثْلَ غيرِه مِمَّنْ أخَذوا المائةَ؛ تَأليفًا لقلبِه، ورَفْعًا لِمَظِنَّةِ الدُّونِيَّةِ أو أنَّه أقلُّ مَرتَبَةً مِن غيرِه.
وفي الحديثِ: تَأليفُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِقُلوبِ بعضِ النَّاسِ بالمالِ لِمَصْلَحةٍ ظاهِرَةٍ.
وفيه: أنَّ للإمامَ أنْ يُفضِّلَ بعضَهم على بعضٍ إذا رأى في ذلك مَصلحةً.
وفيه: جَوازُ إنشادِ الشِّعرِ، وجَوازُ الاستماعِ إليه.