الموسوعة الحديثية


- استعمَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابنَ اللُّتْبِيَّةِ على الصَّدقةِ فلمَّا جاء حاسَبه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: هذا لكم وهذه هديَّةٌ أُهديت إليَّ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( ألا جلَسْتَ في بيتِ أبيك وأمِّك حتَّى تأتيَك هديَّتُك ) فلمَّا صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الظُّهرَ قام فخطَب فحمِد اللهَ وأثنى عليه ثمَّ قال: ( أمَّا بعدُ ما بالُ أقوامٍ نُولِّيهم أمورًا ممَّا ولَّانا اللهُ ونستعمِلُهم على أمورٍ ممَّا ولَّاني اللهُ ثمَّ يأتي أحدُهم فيقولُ: هذا لكم وهذه أُهديت إليَّ ألا جلَس في بيتِ أبيه وأمِّه حتَّى تأتيَه هديَّتُه والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه لا يأخُذُ أحدٌ منكم شيئًا بغيرِ حقِّه إلَّا جاء يومَ القيامةِ يحمِلُه على عاتقِه فلا أعرِفَنَّ رجلًا يحمِلُ على عنقِه يومَ القيامةِ بعيرًا له رُغاءٌ أو بقرةً لها خُوَارٌ أو شاةً تيعَرُ ) ثمَّ بسَط يدَه حتَّى رأَيْتُ بياضَ إِبْطيه بَصْرَ عيني وسَمْعَ أذني ثمَّ قال: ( ألا هل بلَّغْتُ ـ ثلاثًا ) الشَّهيدُ على ذلك زيدُ بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ يحُكُّ مَنكِبي مَنكِبَه
الراوي : أبو حميد الساعدي | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 4515 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه

 أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ علَى صَدَقاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحاسَبَهُ، قالَ: هذا الذي لَكُمْ، وهذِه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَهَلَّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أبِيكَ وبَيْتِ أُمِّكَ حتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إنْ كُنْتَ صادِقًا! ثُمَّ قامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَخَطَبَ النَّاسَ وحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنِّي أسْتَعْمِلُ رِجالًا مِنكُم علَى أُمُورٍ ممَّا ولَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتي أحَدُكُمْ فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وهذِه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيهِ وبَيْتِ أُمِّهِ حتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كانَ صادِقًا! فَواللَّهِ لا يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مِنْها شيئًا -قالَ هِشامٌ: بغيْرِ حَقِّهِ- إلَّا جاءَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَومَ القِيامَةِ، ألَا فَلَأَعْرِفَنَّ ما جاءَ اللَّهَ رَجُلٌ ببَعِيرٍ له رُغاءٌ، أوْ ببَقَرَةٍ لها خُوارٌ، أوْ شاةٍ تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ: ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟
الراوي : أبو حميد الساعدي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 7197 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شَدَّد الشَّرعُ على مُحاسبةِ العمَّالِ والمَرؤوسينَ على ما وُلُّوا عليه، وحَذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن سُوءِ عاقبةِ مَن يَأخُذُ ما ليْس له بحقٍّ مِن الحكَّامِ والوُلاةِ.
وفي هذا الحَديثِ يروي أبو حُمَيْدٍ السَّاعِديُّ رضِيَ اللهُ عَنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استَعمَلَ ابنَ اللُّتْبِيَّةِ -وفي رواية في الصَّحيحينِ: «ابن الأُتْبِيَّةِ»، وقيل: اللُّتْبِيَّةُ أُمُّه- على صَدَقاتِ بَني سُلَيْمٍ -وهي قبيلةٌ من قبائِلِ العَرَبِ- ليجمَعَها منهم، ثم يأتيَ بها إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلَمَّا جاء إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حاسَبَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما قَبَضَ وَصَرَفَ، وكان قد فَصَل الأموالَ، فقال لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «هذا الَّذي لكم، وهذه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لي»، أي: أنَّه وجَدَ معه مِن جِنسِ مالِ الصَّدقةِ وادَّعى أنَّه أُهدِيَ إليه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فهَلَّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أبيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حتَّى تَأتِيَكَ هَديَّتُكَ إنْ كُنتَ صادِقًا» في دَعواكَ؛ فقد اعتقد ابنُ اللُّتْبِيَّةِ أنَّ ما يُهدَى له وهو في حالةِ جمعِ الزكاةِ، يَقَعُ في مِلكِه هو، فبَيَّن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الحقوقَ التي عَمِلَ لأجْلِها هي السَّبَبُ في الإهداءِ له، وأنَّه لو أقام في مَنزِلِه لم يُهْدَ له شيءٌ، خاصةً أنَّه لولا طَمَعُ النَّاسِ في أن يضَعَ عنهم ممَّا عليهم من الحَقِّ، ما أهدِيَ له، فلا ينبغي له أن يستحِلَّها بمجَرَّدِ كونِها وصلت إليه على طريقِ الهَدِيَّةِ؛ فأشار صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أنَّه فيما يُهدى له من ذلك كأحَدِ المُسلِمين، لا فَضْلَ له عليهم فيه، وأنَّه لا يجوزُ الاستثناءُ به إلَّا ما يُؤجَرُ عليه من قِبَلِ الوالي نَفْسِه.
ثُمَّ قامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فخَطَبَ النَّاسَ، وحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عليه، ثُمَّ قالَ: «أمَّا بعْدُ» وهي كَلِمةٌ تُقالُ لفَصلِ الخِطابِ والفَصلِ بين مُقَدِّمةِ الكلامِ والتمهيدِ وبين مَوضوعِه، «فَإنِّي أَسْتَعمِلُ رِجالًا مِنكُمْ على أُمورٍ مِمَّا وَلَّاني اللَّهُ، فَيَأتي أحَدُكُم فَيَقولُ: هَذا لكم، وَهذه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لي، فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أبيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كانَ صادِقًا!» وهذا تعريضٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بفِعْلِ الرَّجُلِ الذي ولَّاه جَمْعَ الزكاةِ، وهو تحذيرٌ أيضًا لِمن يعطي مثل تلك الهَدايا، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم محَذِّرًا لِمن أخذ من تلك الهدايا شيئًا: «فَواللهِ لا يَأخُذُ أحَدُكُم مِنها»، أي: مِن الصَّدَقةِ الَّتي قَبَضَها، «شَيئًا بِغَيرِ حَقِّهِ إلَّا جاءَ اللهَ» وهو يحمِلُ الَّذي أخَذَهُ، يَومَ القيامةِ، أَلَا فَلَأَعْرِفَنَّ أحدًا منكم لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعيرًا -وهو الجَمَلُ- له رُغاءٌ، وهو صَوتُ البَعيرِ، أو بَقَرةً لها خُوارٌ، وهو صَوتُ البقرِ، أو شاةً تَيْعَرُ، وَمَعناهُ: تَصيحُ، واليُعارُ: صَوْتُ الشَّاةِ، ثُمَّ رَفَعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَيْه حتَّى رَئِيَ بَياضُ إبْطَيْهِ، وقال: أَلَا هَل بَلَّغْتُ؟ وهذا من المبالغةِ في إشهادِ النَّاسِ على أنفُسِهم أنَّه قد بلَّغَهم حُكْمَ اللهِ.
وفي الحَديثِ: مُحاسَبةُ العُمَّالِ ومَنْعُهمْ مِن قَبولِ الهَديةِ مِمَّن لهم عليه حُكمٌ.
وفيه: التَّأديبُ بالكَلِمةِ القَويَّةِ عِندَ الحاجةِ.
وفيه: أنَّ العالِمَ إذا رأى متأوِّلًا قد أخطأ في تأويلِه خَطَأً يَعُمُّ النَّاسَ ضَرَرُه؛ أن يُعلِمَ النَّاسَ كافَّةً بموضِعِ خَطَئِه، ويُعَرِّفَهم بالحُجَّةِ القاطعةِ.
وفيه: مَنعُ العُمَّالِ مِن قَبولِ الهَدِيَّةِ ممَّن له عليه حُكمٌ.