- أنَّ الطُّفَيْلَ بنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، هلْ لكَ في حِصْنٍ حَصِينٍ ومَنْعَةٍ؟ قالَ: حِصْنٌ كانَ لِدَوْسٍ في الجاهِلِيَّةِ، فأبَى ذلكَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصارِ، فَلَمَّا هاجَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدِينَةِ، هاجَرَ إلَيْهِ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو وهاجَرَ معهُ رَجُلٌ مِن قَوْمِهِ، فاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فأخَذَ مَشاقِصَ له، فَقَطَعَ بها بَراجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَداهُ حتَّى ماتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو في مَنامِهِ، فَرَآهُ وهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، ورَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فقالَ له: ما صَنَعَ بكَ رَبُّكَ؟ فقالَ: غَفَرَ لي بهِجْرَتي إلى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: ما لي أراكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قالَ: قيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ ما أفْسَدْتَ، فَقَصَّها الطُّفَيْلُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ ولِيَدَيْهِ فاغْفِرْ.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 116 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
وفي هذا الحديث يُخبِرُ الطُّفيلِ بن عَمرٍو رضِي اللهُ عنه، أنَّه قال: يا رسولَ الله، هلْ لك في حِصنٍ حَصينٍ ومَنَعةٍ؟ أي: هل تَرغَب في أنْ تأتي حِصْنًا حصينًا قويًّا، وفيه مَنَعةٌ، أي: مَوانِعُ تَحميك من الأعداءِ؟ وهو حِصْنٌ كان لقبيلةِ دَوْسٍ في الجاهليَّة، فرَفَض ذلك النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وهذا لِمَا قدَّره اللهُ في الأَزَل، وجَعَله ذُخْرًا للأنصارِ بأنْ يُهاجِرَ إليهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا هاجَر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينةِ هاجَر إليه الطُّفيلُ بنُ عمرٍو، وهاجَر معه رَجلٌ من قومِه فاجْتَوَوا المدينةَ"، أي: فكَرِهوا الإقامةَ في المدينةِ، ولم يُناسِبْ جوُّها أبدانَهم،"فمَرِض، فجَزَع"؛ أي: أصابَه الخوفُ والاضطرابُ، "فأخذ مَشاقِصَ له فقطع بها بَراجِمَه، فشخَبتْ يداه حتى ماتَ"؛ أي: فأخَذَ حديدةَ السَّهمِ الطَّويلةَ، فقطع عُقَدَ أصابعِه فسالَتْ دمًا حتى ماتَ، وكأنَّه قَتَل نَفْسَه، وهذه كبيرةٌ مِن الكبائرِ.
"فرآه الطُّفيلُ بنُ عَمرٍو في منامِه فرآه وهيئتُه حسنةٌ، ورآه مُغطِّيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربُّك؟ فقال: غَفَر لي بهِجرتي إلى نبيِّه"، وهذا يَدلُّ على حُسْن الجزاءِ من الله على الهجرةِ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّ الله أَكَرم هذا الرَّجلَ وغَفَر له ذنْبَ قتْلِه لنَفْسه، فقال: "ما لي أراك مُغطِّيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نُصلِح منك ما أَفسَدتَ"؛ أي: لن نُصلِح يديك اللَّتين قطعتَهما عند فَزَعك وعدم صَبْرك، فقصَّ الطُّفيلُ الرُّؤيا على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فدَعا له: اللهمَّ ولِيَدَيه فاغْفِر!"، أي: فاغْفِر ليديهِ ما فَعَلتاهُ.
وفي الحديث: بيانُ عظيم أَجْر الهِجرةِ إلى الله تعالى ورسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: بيانُ أنَّ الله يَغفِر لِمَن يَشاءُ مِن المؤمنين..