الموسوعة الحديثية


-  سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ تَقُولُ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ ما تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ يَرَانِي الغُلَامُ قَدِ اسْتَغْنَى عَنِ الرَّضَاعَةِ، فَقالَتْ: لِمَ؟ قدْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بنْتُ سُهَيْلٍ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، وَاللَّهِ إنِّي لأَرَى في وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِن دُخُولِ سَالِمٍ، قالَتْ: فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَرْضِعِيهِ، فَقالَتْ: إنَّه ذُو لِحْيَةٍ، فَقالَ: أَرْضِعِيهِ يَذْهَبْ ما في وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ. فَقالَتْ: وَاللَّهِ ما عَرَفْتُهُ في وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1453 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
في هذا الحَديثِ تُخبِرُ زيْنبُ بنتُ أبي سَلَمةَ رَضِي اللهُ عنها أنَّها سَمِعت أمَّها أمَّ سَلَمةَ زَوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تُقسِمُ لعائشةَ رَضِي اللهُ عنهما وتقولُ: «واللهِ ما تَطِيبُ نَفْسي»، أي: ما تُحِبُّ نَفْسي «أنْ يَراني الغُلامُ» مِن غيرِ المحارِمِ الذي «قدِ استَغْنى عنِ الرَّضاعَةِ»، أي: لم يَعُدْ بحاجةٍ إلى الرَّضاعةِ، فقالتْ عائشةُ لأمِّ سَلَمةَ رَضِي اللهُ عنهما: «لِمَ؟»، أي: لمَ تَقولينَ هذا؛ فإنَّه لا بأسَ به إذا أرْضَعتيهِ أو أرضَعتْه مَن تَجعَلُه مَحْرَمًا لكِ؟ وذلكَ بدَليلِ أنَّه «قدْ جاءتْ سَهْلةُ بنتُ سُهَيلٍ» زوجةُ أبي حُذَيفةَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأقسَمَت له أنَّها تَرى في وَجهِ أبي حُذَيفةَ الكَراهيَةَ مِنَ استِمْرارِ دُخولِ ابْنِهم بالتَّبنِّي سالمٍ على ما كانت عادتُه وهُو صَغيرٌ، بعْدَ أنْ كَبِرَ وبلَغَ مبْلَغَ الرِّجالِ، وخاصَّةً بعْدَ نُزولِ تَحريمِ التَّبنِّي، فقالَ لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «أرضِعيهِ» ليَصيرَ ابنًا لكِ مِنَ الرَّضاعِ، فقالتْ: «إنَّه ذُو لحْيَةٍ» فهو رَجلٌ كَبيرٌ، فقالَ لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «أرضِعِيه يَذهَبْ ما في وَجهِ أبي حُذَيفةَ»، أي: يَذهَبْ أثَرُ الكَراهةِ منه، ففعَلَت سَهلةُ ثمَّ أقسَمَت باللهِ ما وجَدَت أثَرَ الكَراهةِ في وَجهِ أبي حُذَيفةَ بعْدَما أرضعَتْه.
وهذا الحَديثُ مُشكِلٌ في تَفسيرِهِ والاستِنباطِ منه، وهو ما وقَعَ بالفعْلِ بيْن زَوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ حيثُ رأَتْ أمُّ سَلَمةَ وبعضُ زَوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ هذا كانَ رُخصةً مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لسَهْلةَ زَوجةِ أَبي حُذَيفةَ وحْدَها، ورأَيْنَ أنَّه لا رَضاعَ للكَبيرِ، وأنَّ الرَّضاعةَ المُحرِّمةَ هي الرَّضاعةُ في الصِّغَرِ الَّتي تُنبِتُ العظْمَ وتَبْني الجِسمَ واللَّحمَ.
أمَّا عائشةُ رَضِي اللهُ عنها -فكَما ورَدَ هُنا- كانتْ تَرى أنَّ الرَّضاعَ يُحرِّمُ ما يُحرِّمُهُ النَّسَبُ، سواءٌ أكانَ الرَّضيعُ صَغيرًا أمْ كبيرًا، مُستدِلَّةً بقِصَّةِ سالمٍ مَولى أبي حُذَيفةَ رَضِي اللهُ عنهما وأنَّها ليْست خاصَّةً به.
والذي يَظهَرُ -واللهُ أعلَمُ- أنَّ رَضاعَ الكبيرِ لا يُعتبَرُ ولا يُعوَّلُ عليه ولا يَثبُتُ به تَحريمٌ، وأنَّ الرَّضاعَ إنَّما يكونُ في الصِّغَرِ، وما حصَلَ في قصَّةِ سالمٍ فإنَّه يكونُ قصَّةَ عيْنٍ خاصَّةً به، لا تَتعدَّاهُ إلى غيرِه، وقدْ أكَّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنْ ليس كلُّ رَضاعٍ مُحرِّمًا؛ فقدْ ورَدَ في الصَّحيحينِ قولُه: «إنَّما الرَّضاعةُ مِن المَجاعةِ»، أي: إنَّما الرَّضاعةُ المُعتبَرةُ ما كانت في زمَنِ الاعتمادِ على اللَّبنِ غِذاءً، وما كانت بمِقدارٍ يُؤثِّرُ في بدَنِ الطِّفلِ نُموًّا.
وفي الحَديثِ: بيانُ أنَّ الرَّضاعَ يُحرِّمُ ما يُحرِّمُهُ النَّسَبُ.
وفيهِ: بَيانُ وُقوعِ الاختِلافِ في رَضاعَةِ الكَبيرِ وما يَترتَّبُ علَيهِ مِن آثارٍ.