الموسوعة الحديثية


-  أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكونُونَ في أُمَّتِهِ، يَخْرُجُونَ في فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ، قالَ: هُمْ شَرُّ الخَلْقِ -أَوْ مِن أَشَرِّ الخَلْقِ- يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلى الحَقِّ، قالَ: فَضَرَبَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لهمْ مَثَلًا -أَوْ قالَ قَوْلًا- الرَّجُلُ يَرْمِي الرَّمِيَّةَ -أَوْ قالَ: الغَرَضَ- فَيَنْظُرُ في النَّصْلِ، فلا يَرَى بَصِيرَةً، وَيَنْظُرُ في النَّضِيِّ فلا يَرَى بَصِيرَةً، وَيَنْظُرُ في الفُوقِ فلا يَرَى بَصِيرَةً. قالَ: قالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ يا أهْلَ العِراقِ.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1064 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : من أفراد مسلم على البخاري
حذَّرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنَ البِدَعِ والغُلوِّ في الدِّينِ؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى إفْسادِ المجتمَعاتِ، وربَّما أدَّى التَّشدُّدُ معَ عدَمِ الفِقهِ في الدِّينِ إلى تَبْديعِ وتَكْفيرِ المجتمَعاتِ المسلِمةِ، والخُروجِ على الحُكَّامِ بغيرِ وَجهِ حقٍّ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذكَرَ أُناسًا يَكونُونَ في أُمَّتِهِ، ويُريدُ أُمةَ الإجابةِ؛ فهم مُسلِمونَ، يخرُجونَ ويَظهَرونَ في وقْتِ افتِراقٍ وخِلافٍ يَحدُثُ بينَ المُسلِمينَ، «سِيماهُم التَّحالُقُ»، أي: مِن عَلاماتِهم حَلْقُ رؤوسِهم وإزالةُ الشَّعَرِ، أو إزالةُ شَعرِ الرأسِ خاصَّةً، دليلٌ على زُهدِهم في زِينةِ الدُّنيا، وهؤلاء هم أسْوَأُ وأشرُّ الخَلقِ، أو قال: «من أشَرِّ الخَلقِ»؛ لأنَّهم أكثَرُ النَّاسِ تسبُّبًا في وُقوعِ الشَّرِّ وظُهورِ الفَسادِ بيْنَ العِبادِ في البلادِ، وإذا وقَعَ القتالُ بينَهم وبينَ النَّاسِ، فسيَقتُلُهم أقرَبُ الفَريقَينِ المُختلِفَينِ إلى الحقِّ، وقدْ كان أوَّلُ خُروجِهم في عهدِ الخَليفةِ علِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه وقاتَلَهم بمَن معَهُ.
و«ضرَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم مثلًا، أو قالَ قولًا» يَعني: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شبَّهَهم في خُروجِهم منَ الدِّينِ كالرَّجلِ الَّذي يَرْمي الرَّميَّةَ -وهو الصَّيدُ- بالسَّهمِ، «أو قالَ: الغرَضَ» وهو الَّذي يُصوَّبُ عليه، ويشمَلُ الصَّيدَ وغيرَه، فإذا رَمى الصَّيدَ بالسَّهمِ، ذهَبَ ليَنظُرَ في النَّصلِ -وهو القِطعةُ الصُّلبةُ المُدبَّبةُ المَسنونةُ الَّتي في مُقدِّمةِ السَّهمِ- فلا يَجِدُ فيه أثَرَ الدَّمِ، ويُدقِّقُ الرَّامي النَّظرَ أكثَرَ وأكثَرَ؛ لعلَّه يَجِدُ ما يُريدُ، فيَنظُرُ إلى «النَّضيِّ» وهو عُودُ السَّهمِ، فلا يَجدُ أيَّ أثرٍ للدَّمِ، وَيَنظُرُ أيضًا في «الفُوقِ» وهو الحَزُّ الَّذي يُجعَلُ فيه وَترُ القَوسِ، فلا يَجدُ أيَّ أثرٍ للدَّمِ، فخُروجُهُم مِنَ الدِّين ِكخُروجِ السَّهمِ السَّريعِ الَّذي يُصيبُ الصَّيدَ، فيَدخُلُ فيهِ ويَخرُجُ منهُ سَريعًا جدًّا دونَ أن يتعلَّقَ بهِ أيُّ أثَرٍ منه لشدَّةِ سُرعةِ خُروجِهِ مِنَ الهدَفِ، وهكَذا هُم يَدخُلُونَ في الدِّينِ ويُسرِعونَ فيه، ويَشتدُّونَ دُونَ أنْ يأْخُذُوا شيئًا منه، بلْ يُسرِعُونَ في الخُروجِ مِنهُ.
قالَ أبو سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه: «وأنتُمْ قَتَلتُموهم، يا أهْلَ العِراقِ!»؛ يُشيرُ إلى واقعةِ النَّهرَوانِ سنةَ ثمانيةٍ وثلاثينَ منَ الهجرةِ الَّتي قاتَلَهم فيها عليٌّ رَضيَ اللهُ عنه، وانتصَرَ عليهم.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أَعْلامِ النُّبوَّةِ، حيثُ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِما سيقَعُ بعدَهُ مِن فِتَنٍ، وقدْ وقَعَ كما أخبَرَ.
وفيه: التَّحذيرُ مِنِ اتِّباعِ الفِئةِ الضَّالَّةِ الخارِجةِ عنِ الإسْلامِ.
وفيهِ: بَيانُ عَلاماتِ وأماراتِ الخَوارِجِ.