الموسوعة الحديثية


- أَتَيْتُ أبا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، وهو مَكْثُورٌ عليه فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عنْه قُلتُ: إنِّي لا أسْأَلُكَ عَمَّا يَسْأَلُكَ هَؤُلاءِ عنْه قُلتُ: أسْأَلُكَ عن صَلاةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: ما لكَ في ذاكَ مِن خَيْرٍ فأعادَها عليه. فقالَ: كانَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ تُقامُ فَيَنْطَلِقُ أحَدُنا إلى البَقِيعِ فَيَقْضِي حاجَتَهُ، ثُمَّ يَأْتي أهْلَهُ فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى المَسْجِدِ ورَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في الرَّكْعَةِ الأُولَى.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 454 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
كانَ التَّابِعون رَحِمهمُ اللهُ يَحرِصون على مَعرفةِ كلِّ شيءٍ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من أصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم، ويَسألونهم عمَّا أشكَل عليهم، وعن صِفةِ أفعالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وخاصَّةً في الصَّلاة.
وفي هذا الحديثِ يقولُ التَّابعيُّ قَزَعَةُ بنُ يَحيى: «أتيْتُ أبا سَعيدٍ الخُدْريَّ وهو مَكثورٌ عليه»، أي: تَكاثَرَ عليه النَّاسُ والتفُّوا حولَه، فلمَّا تفرَّقَ النَّاسُ عنه وذَهَبوا وبَقيَ أبو سعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه وَحدَه، أو بَقيَ معه قِلَّةٌ مِنَ النَّاسِ، قالَ قَزعةُ لأبي سَعيدٍ: «إنِّي لا أسألُك عمَّا يَسْألُك عنه النَّاسُ الذين كانوا من حَولِك، ولكن أسألُك عن صَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كيْف كانت؟ وما صِفتُها؟ فقال أبو سعيدٍ: «ما لك في ذاكَ من خيرٍ»، أي: ليس لك في العِلمِ بها من خيرٍ؛ لأنَّك لا تَستطيعُ الإتيانَ بمِثلِها؛ لطُولِها وكمالِ خُشوعِها، وإن تَكلَّفتَ ذلك شقَّ عليك ولم تُحصِّله، وإن علِمتَ السُّنَّةَ وترَكتَها، فليس ذلك خيرًا لك أيضًا، فأعادَ عليه قَزَعةُ طلَبَ مَعرفتِه بصِفةِ صَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرَه أبو سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ صَلاةَ الظُّهرِ كانت تُقامُ، فيَبدأُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّلاةَ، فيَنطلِقُ أحدُهم إلى البقيعِ مع بِدايةِ شُروعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَلاةِ الظُّهرِ -والبَقيعُ: مَقابرُ أهلِ المدينةِ على الجِهةِ الشَّرقيَّةِ مِنَ المسجدِ النَّبويِّ، وكان في ناحيتِها أماكنُ لقَضاءِ الحاجةِ- فيَقضي حاجتَه، فإذا انتهى وَفرَغَ من قَضاءِ حاجتَه منَ التَّبوُّلِ أوِ التَّبرُّزِ، ذهبَ إلى أهلِه؛ لكي يَتحصَّلَ على ماءِ الوضوءِ، فيَتوضَّأ، ثمَّ يَرجِعُ إلى المسجدِ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما زالَ في الرَّكعةِ الأُولى من صلاةِ الظُّهرِ، وفي هذا إشارةٌ إلى تَطويلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للصَّلاةِ.
والجمعُ بينَ هذا الحديثِ وبينَ الأحاديثِ الدَّالَّةِ على أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُخَفِّفُ: أنَّ صلاتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانت تَختلفُ بينَ الإطالةِ والتَّخفيفِ باختلافِ الأحوالِ؛ فأمَّا إذا كانَ المأمُومونَ يُؤثِرونَ التَّطويلَ، ولا شُغلَ له ولا لهُم، طوَّلَ، وإذا لم يَكُن كذلك خفَّفَ، وقد يُريدُ الإطالةَ، ثُمَّ يَعرِضُ مَا يَقتضي التَّخفيفَ، كبُكاءِ الصَّبيِّ ونَحوِه، وقيلَ: إنَّما طوَّلَ في بعضِ الأوقاتِ -وهو الأقلُّ- لبَيَانِ مَشروعيَّةِ الإطالةِ، وخفَّفَ في أكثرِ الأوقاتِ؛ لأنَّه الأفضَلُ.